مع اشتغال الشعب التونسي بالأجواء الجميلة لشهر رمضان المبارك ونفحاته وبركاته، طفا على السطح خبرٌ عبر مواقع التواصل الاجتماعي يتحدث عن توعك في صحة الرئيس التونسي قيس سعيّد و دخوله إلى المستشفى العسكري في تونس العاصمة. وقد نقل غير واحد هذا النبأ ولم تعلق عليه الجهات الرسمية في تونس خاصة بعد غياب ملحوظ لرئيس الجمهورية منذ مطلع شهر رمضان وعدم ظهوره على الشاشات بخطبه المعتادة وتعليقاته الساخرة عن المعارضة التي هدأت حملاتها خلال هذه الفترة أيضا وهو ما يثير جملة من التساؤلات. (الصورة: آخر ظهور رسمي للرئيس قيس سعيد إلى اليوم يعود إلى ليلة 22 مارس 2023).
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
وبدت التعليقات الساخرة على غياب الرئيس خلال هذه الفترة وتعرضه ربما لأزمة صحية تثير الاشمئزاز لأنها تتصل برمز الدولة ورأسها، فمهما كان الموقف الشخصي من الرئيس وأفعاله وتحركاته إلا أن ذلك لا يكون بأي حال من الأحوال مجلبة للسب والشتم والسخرية.
فهل هذا هو ما جُبل عليه المسلم، فالمسلم الصائم لا يكون مبدئيا سبّابا ولا شتّاما ولا شامتًا، بل عليه أن يكون في شهر رمضان أجود من الريح المرسلة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد تبيّن من خلال هذه التعليقات حجم الكره الذي يكنه بعضهم لرئيس الجمهورية في ظل الظروف الصعبة جدا التي تعيشها تونس على جميع المستويات خاصة
على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
نكسات سياسيّة شديدة
وكان رئيس الجمهورية قد تعرّض لنكسات سياسيّة شديدة في الفترة الأخيرة آخرها استقالة وزير الداخلية توفيق شرف الدين الذراع اليمنى له في الدولة ومعينه الأول في مواجهة المعارضة التي لم تهدأ في الفترة الماضية قبل شهر رمضان، واتخذت منحى تصاعديا في مواجهة سياسات الرئيس سواء عن طريق المظاهرات أو الندوات أواللقاءات التي تحاول أن تهيّج الشعب التونسي وتؤلّبه، لكنها كانت في كل مرّة تفشل في تمرير ما تريد، وكانت تخسر مواقعها بعد حملة الاعتقالات التي طالت رموزها، وبعد المواجهة المباشرة مع مؤسسة الرئاسة.
هذه النكسات السياسية قد تؤثر في مزاج الرئيس بل ربما أيضا على صحته لأنها تمثل ضغوطات مستمرة على سير عمله السياسي، فعندما ينفضّ عنه أقربوه من السياسيين ويزداد عنادا معارضوه، يزداد تأثره ويتكاثر همّه وتصبح كل السيناريوهات مفتوحة أمامه، إضافة إلى أنه لم يجد داعما أساسيا له من الخارج بل كانت الآراء الخارجية كلها تلوم وتعاتب السياسة “القيسية” الجديدة في تونس وتعتبر ما يحدث في بلادنا تراجعا عن الديمقراطية وترسيخا لمبدأ الدكتاتورية.
وحتى لا تتفاقم الأحداث وتتشابك التأويلات على أعلى مستوى، على مؤسسة الرئاسة أن توضح للرأي العام ما يحدث خلف الكواليس، هل تعرّض رئيس الجمهورية لوعكة صحية فعلا؟ وهل هو يرقد في المستشفى العسكري الذي رقد فيه قبله الرئيس السابق الباجي قايد السبسي ؟ وهل صحته مستقرة و هل تستوحب مزيدا من العلاج و الراحة؟ وهذه كلها – إن ثبتت – أمور عادية و يقع التعامل معها سياسيا من طرف أجهزة الدولة مع ضمان تواصل عملها بانتظام. كل هذه الأسئلة بدأت تطفو على مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة، وبدأ الهجوم الشرس والمعاكس من بعض الأحزاب والأشخاص الذين يطلقون دعواتهم عليه مستغلين نفحات شهر رمضان وليلة القدر الآتية ليرموا رمز الدولة بوابل من الأدعية لعل الله تعالى يستجيب لهم.
إسكات الأفواه المتفوهة بالسوء
إنه لأمر مستغرب ومستعجب ومستهجن، أن يحدث هذا من شعب مسلم مهما كان موقفه من أداء الرئيس، وكان الأولى ألا يتطور ردّ الفعل إلى هذا المستوى المتدني من الأخلاق خاصة وأنه صدر من أناس مثقفين أو يحسَبون على الثقافة، فالدعاء في شهر رمضان ينبغي أن يكون بالخير والشفاء لأي شخص مهما كان، فضلا عن كون المستهدف رئيسا للجمهورية التونسية.
وقد يكون الخبر المتداول مجرد إشاعة مُغرضة في حق رئيس الجمهورية ما دامت مؤسسة الرئاسة لم تنفِ أو تُثبتُ ما يدور في شبكات التواصل، وقد يكون رئيس الجمهورية مشتغلا بشهر رمضان، وأراد أن يقضيه مع أفراد عائلته ويعيش الصفاء الروحي مع الصفاء الزماني، ويبتعد عن المشاحنات اللفظية مع المعارضة وكل ما يتصل بها، أو يريد أن يقتصر تواصله على الله في هذه الأيام المباركة ليبثّ له همومه وهموم الشعب التونسي في هذه الظروف الحالكة والمظلمة، ويسأله أن يفرّج عنها هذا الكرب الذي تشعّب وصار خطرا على المنظومة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
وعلى أي حال فمن واجب الدولة أن توضح ما يجري لإسكات أفواه من يريد أن يصطاد في الماء العكر، فرئيس الجمهورية ما هو إلا بشر مثلنا، يخطئ ويصيب، ويتعرض لوعكات صحية قد تكون خفيفة فتبقيه بعيدا عن الأعين لفترة قصيرة، وقد تكون غير ذلك وفي هذه الحالة ينبغي التفكير بجدّية في وسيلة للخروج من هذه الأزمة الطارئة أيا كان نوعها، ولا ينبغي أن يُترك الباب مفتوحا للتأويلات المحرجة التي لا تزيد الطين إلا بلّة.
محلل سياسي.
شارك رأيك