أبدى الرئيس التونسي قيس سعيّد رغبته في الترشح لفترة رئاسية ثانية خلال حضوره مراسم الاحتفال بعيد الشهداء، يوم الأحد 9 أفريل 2023، وذكر أنه غير مستعدّ لتسليم السلطة لغير الوطنيين من أبناء تونس الأحرار.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
في هذا الموقف رسالة قوية للمعارضة بأن تلزم حدودها وتلتزم بلباقتها في تعاملها مع السّلطة لئلا تسوء العلاقة أكثر بينهما نتيجة التصادم الكبير الذي وقع بينهما خلال الفترة الماضية وأحدث إرباكا في المجتمع وأثقل كاهله في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، ولو كان هناك تعاون بين الجانبين ولو كان في مجال من المجالات لخفّف الضغوط أكثر على الشعب الذي يعاني منذ فترة شبه طويلة من مصاعب شتى، ولأوجد خيطا يصل السلطة بالمعارضة.
تونس تعيش أيامًا صعبة للغاية
وفي ظل هذا التجاذب السياسي العنيف بين الطرفين، كانت تونس ولا تزال تعيش أيامًا صعبة للغاية على جميع المستويات، وما زالت الثقة بين الرئاسة والمعارضة خصوصا منعدمة تماما، لذلك لا يمكن أن يهدأ الشارع التونسي ولا أن تهدأ المشاحنات بين الطرفين، فكل طرف سيسعى إلى اتهام الآخر بأنه السبب في تأزم الأوضاع الداخلية في البلاد ويبحث عن نقاط الضعف في خصمه لطرحها في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام العام الداخلي والخارجي، حتى يبقى صوته مسموعا وتبقى مكانته مرفوعة وسط أنصاره، غير أن المعادلة التي بقيت متعادلة نوعا ما خلال الفترة الماضية قد تميل إلى هذا الطرف أو ذاك في الفترة القادمة أو يتنازل كل منهما عما تمسك به سابقا ليبحثا معا عن خطة جديدة للتوافق بين الجانبين.
ولئن كان ولا يزال هذا الطرح هو الحل المناسب لإزالة هذه الغشاوة السياسية والسحابة السوداء التي غطّت مكامن الحكمة عند كل طرف في التعامل مع الآخر وحدّت من التقدم خطوات إلى الأمام، يبقى تمسّك رئيس الجمهورية التونسية بموقفه بأنه سيترشح لفترة رئاسية ثانية حقٌّ مشروع يكفله القانون الذي يسمح له بذلك بعد انتهاء فترة رئاسته الأولى، ويبقى على الرئيس سعيّد أن يراهن على الشعب التونسي في دعمه في الانتخابات التي ستجرى في أواخر سنة 2024م، وهو الاستحقاق الانتخابي الذي سيعمل عليه رئيس الجمهورية في الفترة القادمة، وسيحرص على أن لا يفوّت الفرصة من بين يديه حتى يواصل مشروعه الإصلاحي بعد انتخاب مجلس النواب الجديد وترسيخ قواعده الجديدة.
وإذا استطاع الرئيس التونسي أن يحلحل البرامج التنموية بالبلاد، ويستقطب الاستثمارات الخارجية، ويزحزح تونس عن منطقة الخطر ولو قليلا، ويقنع صندوق النقد الدولي أن تونس دولة قادرة على الخروج من أزماتها الاقتصادية بالتعويل على إمكاناتها الخاصة ولو بعد حين، ويجد من الدول الأخرى من تُعِينه على رسم خطط اقتصادية طويلة المدى من شأنها أن تعيد تونس إلى مكانتها أو أفضل من خلال مؤشرات واضحة وبيّنة ومضمونة، فإننا نستطيع أن نجزم أن معظم الشعب التونسي سيُعيد اختياره وانتخابه من جديد لتشبّثه بأي أفق يمكن أن يغرس فيه الأمل نحو استنشاق الحياة مرة أخرى وتذوّقها بعد أن فقد طعمها خلال السنوات الماضية، وربما يُجبر ذلك المعارضة على تغيير سياستها وأسلوبها مع السلطة، فتستبدل تصادمها بموقف أكثر اتزانا وعقلانية وتدخل في دوامة أخرى من الحسابات المعقدة التي قد لا تروق لها.
هل ستجري الرياح بما لا تشتهي السفن ؟
أما إذا انحرف مسار مجلس النواب عن صوابه وفشل في بلورة خطة رئيس الجمهورية نحو الاتجاه إلى الشعب وإخراجه من محنته التي لازمته، فإن المعارضة ستقوى شوكتها، ويزداد تذمر الشعب من الأوضاع المحيطة به من خلال ارتفاع التضخم وزيادة الأسعار إلى مستوى جديد لا يقبله أحد، وتعكر التوافق مع صندوق النقد الدولي وانعدام المعونات والهبات والمساعدات الخارجية، فإن الخطابات والدروس وحدها لا تكفي لحمل الشعب التونسي على مزيد من الصبر والجلد خلال الفترة القادمة وبالتالي قد يخسر الرئيس التونسي قيس سعيّد موقعه بسهولة في الانتخابات المقبلة، وإذا حدث هذا السيناريو فإنه سيكون كارثيا على حملة رئيس الجمهورية وقد تُقدم المعارضة بعدها إن فازت على محاكمة سعيّد على ما قام به من أعمال خلال فترة رئاسته الأولى.
فرئيس الجمهورية مقتنع تماما كما يبدو أنه لن يسلّم السلطة في الانتخابات المقبلة وسيعمل بكامل قوته على البقاء في قصر قرطاج خمس سنوات أخرى لمواصلة إصلاحاته السياسية والبحث عن خليفة له يمكن أن يواصل مشواره السياسي ولا يُحبط ما قام به خلال تلك الفترة فيما لو جاء من كان مخالفا لسياساته لأنه سوف يهدم ما بناه سعيّد بالطبع.
كما أنه مقتنع في الوقت نفسه بأنه لن يبقى على كرسي الرئاسة أكثر من فترتين رئاسيتين احتراما لما نص عليه الدستور التونسي وترسيخا للديمقراطية في اختيار رئيس الجمهورية، ولن يتغير هذ الموقف السياسي إلا إذا طرأت أمور أخرى قد تغير المسار السياسي برمته.
شارك رأيك