تحصّلت منظمة أنا يقظ على جملة من الوثائق والمعطيات الّتي تؤكّد تواطُؤ وزراء السّياحة المتعاقبين منذ 2017 مع عائلة ميلاد و ورجل الأعمال كريم ميلاد مدير عام الشركة العقاريّة والسياحيّة “مارينا قمرت” التابعة لمجمّع عزيز ميلاد TTS (Tunisian travel service) وذلك بتستّرهم على شبهات فساد تتعلّق باستغلال الميناء الترفيهي بقمرت.
حيث ساهم وزراء السياحة بصفة مُباشرة أو غير مباشرة في تمكين الشّركة من استغلال الميناء والاستحواذ عليه دون وجه حقّ، ودون سند قانونيّ منذ 2017 إلى اليوم،وذلك مُقابل معلوم استغلال يقدر مبلغ ب 100 ألف دينار بزيادة 5% سنويا يُصرف لفائدة الدولة في مقابل الأرباح الهامّة الناتجة عن استغلال الميناء فقط والمقدّرة ب 515 787، 2 مليون دينار سنة 2020 و879 893، 2 مليون دينار سنة 2021، هذا دون اعتبار الأرباح الأخرى.
وذلك بناء على اتفاقيّة بين هذه الشركة و الدولة التونسيّة ممثلة من قبل وزيرة السياحة سلمى اللّومي الرقيق آنذاك أبرمت في سنة 2015 لمدّة “سنة واحدة قابلة للتجديد الضمني مرة واحدة” وبناء عليه فإنّ الإتّفاقية منتهية المفعول منذ 2017، نظرا لعدم تجديدها إلى اليوم.
يجدر التذكير بأنّ ملف الميناء الترفيهي بقمرت من أنظار القضاء، حيث يواجه بسببه سليم شيبوب حكما بالسجن لمدّة ستة أعوام وغرامة مالية تقدر بأكثر من 250 مليون دينار حسب الحكم الصادر في 09 ماي 2022 عن الدائرة الجنائيّة الأولى بالقطب القضائي الإقتصادي والمالي. وتم اطلاق سراحة بكفالة ماليّة في جويلية 2022 هذا وقد تم حفظ التهمة في حقّ عزيز ميلاد بموجب الوفاة.
لكنّ هذا لم يحُل دون مُواصلة إبنه كريم ميلاد التصرّف والتحوّز على ملك الدّولة خارج الأطر القانونيّة من طرف نفس الشّركة التي يسيّرها حاليّا، وذلك بتواطؤ واضح من وُزراء السّياحة المتعاقبين على الوزارة منذ 2017،
حيث كشفت تحقيقاتنا أنّه:
تمّ تمكين شركة “مارينا قمرت” ، بمُقتضى قرار المجلس الوزاري المضيّق المنعقد في 16جويلية 2015 الذي أقرّ إسناد لزمة استغلال الميناء في إطار لزمة بالتفاوض المُباشر، من استغلال الميناء التّرفيهي بمقتضى اتفاقية يعود تاريخها الى 25 أوت 2015 تمّ بمقتضاها الترخيص استثنائيا في الاستغلال الوقتي للميناء الترفيهي بقمرت، زمن إشراف سلمى اللّومي على الوزارة، على أن تنتهي العلاقة التعاقديّة في أوت 2017 بصريح الفصل 34 من الاتّفاقيّة الذي حدّد مدّة سريانها صراحة “بسنة واحدة قابلة للتجديد الضمني لمرّة واحدة.”
إلّا أنّ الشّركة المذكورة ما تزال، منذ 24 أوت2017 ، تاريخ انتهاء مدّة الاتفاقيةّ الى حدود اللّحظة، المُستغلّة الفعليّة للميناء والجهة التي تطالب باستخلاص معاليم الكراء من متسوّغي المحلّات ومستعملي الميناء رغم فقدانها لصفتها القانونيّة بانقضاء مفعُول الاتّفاقية المذكورة وانتهاء مدّتها، وعدم ابرامها لعقد لزمة جديد، بدليل إجابة وزارة السياحة على مطلب النفاذ الى المعلومة الصّادر عن منظّمة أنا يقظ، وذلك بتاريخ 17 مارس 2023، والذي طلبنا فيه مدّنا بنسخة من عقد اللّزمة المبرم بين الشركة والوزارة، لتُجيب هذه الأخيرة بنسخة من الاتفاقية المذكورة، مُنتهية المُدّة.
كما أنّه وفي إطار تحقيقاتها، وجّهت منظمة أنا يقظ مطلب نفاذ إلى المعلومة إلى وزير السياحة الحالي السيّد محمّد المعز بلحسين لتمكينها من قرار التمديد في اتّفاقيّة الاستغلال الوقتي أو الاتفاقيّة الجديدة المبرمة أو الترخيص الذي يتمّ بموجبه استغلال الميناء في الوقت الحالي، لكنّنا تفاجئنا بإجابة وزارة السّياحة الّتي تثبت أنّه لا وجود لاتفاقيّة جديدة ولا لعقد لزمة بل استندت إجابة الوزارة على المراسلة الصادرة عن وزير السّياحة السابق “روني الطرابلسي” الموجّهة إلى الرئيس المدير العام لشركة “مارينا قمرت” للإجابة على طلب التمديد في اتفاقية الاستغلال الوقتي للميناء الترفيهي بقمرت، بتاريخ 19 سبتمبر 2019، والتي اعتبر فيها أنّه “لم تعد هُناك حاجة لتجديد الاتّفاقيّة ” المنتهية منذ 2017 نظرا لصدور قرار استئنافي “أقرّ للشركة العقارية السياحية مارينا قمرت صفة المستغلّ الفعلي للميناء الترفيهي بقمرت”، وهي صفة لا يمكن انكارها باعتبار أنّ الشركة هي المستغل الفعلي للميناء منذ 2015، إلّا أنّ الإشكال يتمثّل في مدى شرعيّة استغلال الميناء الترفيهي بقمرت، خصوصا وأنّ القرار الاستئنافي الصادر في 27 مارس 2019 والذي استند عليه وزراء السياحة لتبرير استمرار الشركة في استغلال الميناء لا يخُوض في شرعيّة استغلال الشّركة من عدمها بل يبتّ في عدم تنفيذ التزام تعاقديّ يجمعها بأحد مستعملي الميناء، وهو حكم صادر ضدّ الشركة، اقتصرت فيه المحكمة على معاينة ووصف وضعيّة واقعيّة فعليّة.
هذا وقد أقرّ محامي الشّركة بمُناسبة النّظر في هذه القضية بأنّ “الاتّفاقية المبرمة بين الشركة والدولة التّونسيّة (…) قد انتهت مدّتها اذ انّ السنة الاولى من الاستغلال قد انتهت في 24 أوت 2016 وتجدّدت لسنة ثانية ضمنيّا انتهت في 24 أوت 2017 ولم يتم ابرام اتّفاقيّة ثانية بين المستأنفة والدّولة وبذلك لا يمكن لمنوّبته تسويغ مكان ارساء للمستأنف ضدّه باعتبار انتفاء الصّفة التي تخوّل لها ذلك”، ممّا يؤكّد أن استغلال الميناء الذي وقعت معاينته بالقرار الاستئنافي المذكور في المدّة الممتدّة من 24 أوت 2017 الى 27 مارس 2019 على الأقل، تاريخ صدور القرار الاستئنافي، هو استغلال غير قانوني للميناء، دون وجه حقّ، وتبديد للمال العامّ.
في الاثناء، تمادت الشركة في خرق القانون والاتّفاقية المبرمة مع وزارة السياحة منذ بداية العمل بها، إذ عمدت الى إبرام عقود لمدّة تفوق مدّة الاتفاقيّة في خرق جليّ وواضح لأحكام الفصل 9 الذي ينصّ على أنّه ” لا يمكن للشّركة صاحبة التّرخيص إبرام عقود تتعلّق بإحدى مكوّنات الحوزة الوقتيّة للميناء الترفيهي تفوق مدّتها مدّة سريان الاتّفاقيّة المنصوص عليها بالفصل 34 “، وهو خرق “تغاضت عنه” الوزارة بصريح القول في تقرير ردّ صادر عنها في قضيّة مرفوعة لدى المحكمة الاداريّة، وكأنّ التجاوز المتغاضى عنه لا يتعلّق بمُلك عمومي.
ولعلّ تغاضي الوزارة، كان قد شمل أيضا مُراسلات وزيري أملاك الدولة والشؤون العقارية في أوت 2020 السيّد غازي الشواشي و والمكلّف بإدارة شؤون وزارة الداخليّة، رئيس الحكومة السيّد هشام المشيشي في مارس 2021 الّذين عمدا إلى تذكير وزارة السياحة “بافتقاد الشركة لشرعيّة الإستغلال وتخلّي الوزارة عن دورها كسلطة مينائيّة مكلّفة بالتصرّف في الملك العمومي المينائي وحمايته واستغلاله حسب الفصلين 6 و11 من مجلّة الموانئ البحريّة ..وبــتفاقم الوضع يوميّا في ظلّ غياب السلطة المينائيّة وعدم ممارستها لصلاحيتها وعدم تطبيقها للنصوص الواردة بمجلّة الموانئ البحريّة مما دفع البعض للتصرّف وتحوّز ملك الدّولة العام خارج الأطر القانونيّة ودخولهم في خلافات شخصيّة انعكست على أمن المرفق المينائي” ودعوتها إلى “استرجاع الملك العمومي المينائي المستغلّ دون وجه حقّ”، وفقا لما جاء في مراسلة موجّهة إلى السيّد وزير السياحة الحبيب عمّار إلّا أنّ الوزارة لم تتفاعل ولم يتم وضع حد للتجاوزات.
في المقابل، ظهرت عناصر جديدة تتعلّق بغياب سند قانُونيّ لاستغلال الميناء، إذ علاوة على إقرار ذلك حُكميّا من قبل نائب الشركة في عديد المناسبات كما سبق بيانه، فقد تمّ تأكيده مؤخّرا بحُكم ابتدائي صادر عن المحكمة الابتدائية بتونس بتاريخ 5 جانفي 2023 أقرّت فيه المحكمة أنّ ” عقد اللزمة المستند عليه من قبل المُدّعية قد انتهت مدّته في 24 أوت 2017 وقد أصدرت المحكمة بجلستها يوم 03 نوفمبر 2022 حكما تحضيريا يقضي بمُطالبة نائب المُدّعية (شركة مارينا قمرت) بالإدلاء بما يُفيد تجديد عقد اللّزمة مع وزارة السياحة، (…) و لم يُدل نائبُ المدّعية بما يُفيد تجديد اتفاقية اللّزمة مع وزارة السياحة، وثبت من مظروفات الملفّ أن عقد اللزمة سند الدّعوى انتهى مفعوله بتاريخ 24 أوت 2017 ولم يقع تجديدها وفق الشّروط والقيود الاجرائية الخاضعة لها (…) وزالَت بالتّالي صفة المدّعية في القيام والمُطالبة بمستحقات لا ترجع لها… ويتّجه تبعا لذلك القضاء برفض الدّعوى لعدم صفة المدّعية في القيام”
وبالتّالي فإنّ مُواصلة تغاضي وزارة السّياحة عن الاستغلال غير القانوني للميناء من قبل الشركة المذكورة، يُعتبر تقصيرا و تماديا في اهدار المال العام الّذي فرطت فيه الدولة لعائلة ميلاد على وجه الفضل.
وعليه ندعو السيّد وزير السياحة محمد المعز بلحسين إلى تطبيق القانون ووضع حد لاهدار المال العام والتفريط في ملك الدولة للغير و إلى ممارسة سلطه المينائيّة طبقا لأحكام مجلة الموانئ البحرية وفرض تطبيق القانون بوصفه المؤتمن على الملك العمومي،
هذا ونندد بمواصلة اتباع الدولة التونسيّة لسياسات تخدم مصالح العائلات النافذة وتبخس الدولة حقها ومثال ذلك الأرباح الضائعة طيلة الفترة التي تمّ فيها التمديد ضمنيّا للشركة في استغلال الميناء دُون وجه حقّ منذ سنة 2017 الى اليوم.
شارك رأيك