سَيِّدة المضمار البَصَلة. في العشر الأواخر من “سيدي” رمضان هذه السنة : “العواشر”، لا حديث اليوم إلا عن البصل، ولا يتكلم التونسي إلا عن البصل، رمضان هذا العام وككل عام، وعند أمتاره الأخيرة، يتغير وجه مضمار السباق، لا مشهد سوى تولي البَصَلة الصدارة، بعد ان انتزعتها من “البنانة”، المسيطرة على السَّبْقِ منذ مدة، وتتقدم عليها في مُبَاراة التسَابُق الشَيِّقة…
بقلم فتحي الهمامي
ولكن على غير العادة، تظهر هذا الموسم عداءة جديدة، فبَصَلتنا المتقدمة في المنافسة: حمراء، فاتنة، ذات شعر أخضر، قادمة من غنوش، ليس كمثلها في قوة السرعة، وشدة المثابرة أحد، وها هي تجري بهمة وكأنها لاعبة محترفة…
في هذا المنعطف من سباق الثلاثين يوم، تستفيد بطلتنا من غياب شقيقتها البصلة الحمراء “المكنجلة”، إثر منعها من دخول “الكورسة”، وها هي تتَخَطَّى منافسيها، فواكه وخضروات، وكذا إبنة العم البصلة البيضاء “الربعية”، وبالمثل الشقيقة العربية البصلة الصفراء “المصرية”…
وعشق التونسيون – وأنا منهم – للبصل، نيئا أو مطبوخا لا يعادله سوى عشق الفراعنة له، وهم يرون ان ما قاله داود الأنطاكي عنه، صائِب وثاقب، بل يعملون به، فالبصل يقطع الأخلاط اللزجة، ويفتح السداد، ويقوي الشهوة خصوصاً المطبوخ مع اللحم، ويذهب اليرقان والطحال، ويدر البول والحيض، ويفتفت الحصى، وماؤه ينفع الدماغ، ويقطع الدمعة والحكة والجرب، وأكله مشوياً يرطب الأرحام ويزلق المعي، ويصلح غسله بالماء والملح ونقعه في الخل…
وأمثالهم المصريون القدامى، حلفوا وأقسموا بالبصل، ووزعوه على العمال الذين اشتغلوا في بناء الأهرامات بصفته من الأغذية المقوية، وخلدوا إسمه في كتابات على جدران المعابد وأوراق البردى، كما وضعوه في التوابيت مع الموتى، لاعتقادهم أنه يساعد الميت على التنفس عندما تعود إليه الحياة…
إلا انهم كانوا يتجنبونه – على عكس الصفافسية – في الأعياد، لأنه يُسيل الدموع، فالأعياد أيام فرح وليس أيام حزن وبكاء… فالتونسي مولع بالبصل كل الولع، في كل الأيام، في فصل ما قبل “العيد الصغير” بأيام، وفي يوم عيد وَقْف الصيام، بل يصير مُحِبا له ولهانا – خاصة – في هذا “الموسم” ، ولا يساويه في هذا العشق لا حبّ “البنان” ولا حبّ الرمان…
والبصل، هو بالتأكيد من الفواكه والثمار اللذيذة، لا علاقة له بالبقول والخضروات، وبالتأكيد ان رائحته زكية غير كريهة، ورؤوس البصل الحمراء هي بالتأكيد من صنف الكُرَيَّات الحمراء، لا الكُرَيَّات البيضاء… وبالتأكيد يقال هنا وهناك عن ما نأكله نهار العيد، من بصل معززا بالزبيب : “صام صام “الصفاقسي” وأفطر على بصلة” ولكن ذلك لا يضايقنا في شيء، لأن الْمُهِمّ في هذه المسألة اننا سنأكل صحن “الشرمولة” العسلية، بمصاحبة خبزة العيد القمحية، ومعهما رقائق من “الحوت المالح” الطرية، و “يا داخل بين البصلة وقشرتها ما بنوبك غير صنتها”…
مناضل حقوقي.
شارك رأيك