نظّم المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” يوم 25 أفريل 2023 أربعينيّة الأديب والمجمعي البشير بن سلامة (1931-2021)، وأصدر بهذه المناسبة مؤلّفا تكريميّا لروح الفقيد .
يتضمّن اكناب شهادات تؤكّد في جلّها على أنّ مفهوم “المشروع الثقافي” لدى الراحل يمثّل جوهر أيّ فعل إصلاحي، لذلك يشدّد في جلّ كتاباته على الارتباط الوثيق بين الرهان الثقافي وجميع الرهانات التي تحتّمها المشاريع الإصلاحيّة في أيّ مجال من مجالات النسيج المجتمعي.
وعليه لم يكن الفعل الثقافي في مسيرته الأدبيّة المتنوّعة مجرّد اهتمام، بل كان غاية قصوى لا بدّ من التمسّك بتجسيدها لأنّها في نظره رسالة وطنيّة وكونيّة لا تكترث بحجم الإكراهات، ولا تخشى طبيعة السياقات، وهذا ما تؤكّده حقبة إشرافه على وزارة الشؤون الثقافيّة (1981-1986) تلك التي تميّزت وفقا لمداخلة رئيس المجمع الأستاذ محمود بن رمضان “بإنشاء مؤسّسات علميّة وثقافيّة مختلفة، تعدّ اليوم بوّابة إشعاع الإنتاج الفكري الوطني إقليميا، وعربيّا، وعالميا مثل أكاديميّة بيت الحكمة التي تضمّ أبرز النخب الأكاديميّة في المجالات العلميّة والفكريّة والإبداعيّة، والتي تجاوز إشعاع إنتاجاتها ضفافنا الإقليميّة، والمتوسّطيّة، نحو العالميّة” خاصّة في ظلّ الثورة التكنولوجيّة الاتصاليّة التي حوّلتنا إلى “قرية كونيّة”.
كما اتّسمت تلك الفترة التي اضطلع فيها بمهام وزير الثقافة بإنشاء أبرز المنارات الثقافيّة والمعاهد الفنيّة الفاعلة اليوم كما ورد في مداخلة الأستاذة رجاء بحري رئيسة قسم الآداب بالمجمع، التي اكتشفت خصاله الثقافيّة والإنسانيّة حسب قولها من خلال اطّلاعها على بعض أعماله وعبر سلسلة اللقاءات في رحاب بيت الحكمة.
وذكّر الجميع بهذه المنارات الفكريّة والثقافيّة على غرار إنشاء معرض تونس الدولي للكتاب سنة 1982، وتأسيس المسرح الوطني التونسي سنة 1983 من أجل تعزيز آليات التكوين والإنتاج وترويج الأعمال المسرحيّة، إلى جانب عديد المؤسّسات الأخرى ذات الصلة بالفعاليات الثقافيّة مثل مركز الدراسات والتوثيق الخاص بالتنمية الثقافيّة، وأيام قرطاج المسرحيّة التي انتظمت دورتها الأولى سنة 1983.
ويعدّ البشير بن سلامة وفقا لعديد المداخلات من الداعين إلى ضرورة الرهان على الاقتصاد الثقافي نظرا إلى منزلة الإنتاج الثقافي بأجناسه المختلفة في مجال الدورة الاقتصاديّة، لذلك اهتمّت عديد المداخلات بهذه المسألة، وبمسيرته السياسيّة، التي تناولها بعمق الرئيس السابق للجمهوريّة التونسيّة الأستاذ محمّد الناصر والمجمعي توفيق بن عامر. وأجمع المتدخّلون على تنوّع أعماله المتضمّنة لأغلب الأشكال الأدبيّة، حيث ألّف الرواية، والقصّة، والشعر، والمقالة، وترجم الكثير من المؤلّفات، فهو باختزال شديد من دعاة تأسيس مشروع ثقافي تحكمه “حكمة مثقفين بالمعنى الشامل لهذه الكلمة وليس فقط أصحاب” التكوين الجامعي على حدّ عبارة المجمعيّة سعاد كمون شوك.
صفوة القول لم يكن اليوم التكريمي مجرّد شهادات وقراءات تنهل من معاجم التأبين، بل حفريات في رهانات مشروع ثقافي لعلم من أعلام الثقافة التونسيّة آمن بضرورة الانفتاح على جميع المدارس الفكريّة، وفي هذا الإطار تتنزّل شهادة الأديب عزالدين المدني في تأكيده على “جرأة الفقيد” المتمثّلة في نشره لنصوص إبداعيّة في مجلّة الفكر كانت محرجة للسائد وللمواضعات، كتبها المدني ونشرتها المجلّة بدعم من الراحل، الذي غادرنا لأنّ الأيام عابرة، وهو بيننا اليوم لأنّ النصوص خالدة.
شارك رأيك