السيادة من السيّد الذي يسود، يتسيّد السماء و الطين و ما شابه. لكن السؤال المطروح هل السيادة طين نشكّله بين أصابعنا؟ أم إنّها صلصال في أيدي القوّي يشكّلنا على الطريقة التي يراها سانحة و حتى صالحة لا سيّما حينما تكثر الفجوات؟ الأقرب إلى المشهد و هي أنّنا صلصال في يد مُدبّر كبير… أين هي السيادة حينما نكون قضيّة رأي عام الاتحاد الاوروبي و الكونغرس الأمريكي و دُول الجوار؟
بقلم ميلاد خالدي
ما بين السيادة و الدبلوماسية أوراق رابحة و خاسرة، وما بين الأصابع و الصلصال إصبع مفقود و ما بين البحر و الإسفنج بحّار تائه و ما بين القائد و القائد سوبرانو منشود. لكن ما بين الكلمة و الفعل هوّة و صوت غير مسموع. لا أحد يرغب في أن يكون طينا في تصرّف الآخر ولا صلصالا في يد من يُشوّهنا. السيادة مخبأ الدبلوماسية مهما كان للإسفنج من فوهة و فتحات…
سيادة الصلصال…
السيادة من السيّد الذي يسود، يتسيّد السماء و الطين و ما شابه. لكن السؤال المطروح هل السيادة طين نشكّله بين أصابعنا؟ أم إنّها صلصال في أيدي القوّي يشكّلنا على الطريقة التي يراها سانحة و حتى صالحة لا سيّما حينما تكثر الفجوات؟ الصورة الأقرب إلى المشهد و هي أنّنا صلصال في يد مُدبّر كبير و هنا ليس بالضرورة أن يكون الصلصال من الحمأ المسنون لأنّ من له السنّ العليا يمكن أن يقطع و يحسم الأمور متى يشاء لأنّه من أهل السيادة و الريادة. تلك السيادة الجائعة التي تشتمّ، ثمّ تداهن اليد اليمنى.
السيادة هي ذلك اللفظ اللاتيني الذي يذهب إلى Superanus و الذي يلخّص كلّ ما هو قوّي وعال. إنّه السوبرانوس Superanus الذي يعلو بصوته ليحتكر المكان و يقول من “لا قمح له… لا صوت له”، فمن يدلّني على صوت السيادة.
بلدي عطشان و جوعان ورغم ذلك، السيادة محفوظة في صندوق الأمنيات. لا دبلوماسية دون سيادة و لا تدخّل أجنبي دون أنامل تتسلّل هنا وهناك و دون مهندس يفهم جيّدا في تفاصيل الصلصال و تعرّجاته”. الصلصال يجفّ ويتشقق ثم يتكسّر على أراضينا و حناجرنا… لا صوت بعد صوت الأرض و العِرض..
تٌحدثني جدّتي أنّ من يلاعب الصلصال و هو صغير يفقد السيطرة على الأشياء وهو كبير و تنفلت منه الأمور و يفوّض الأمر لغيره.
أين هي السيادة حينما نكون قضيّة رأي عام الاتحاد الاوروبي و الكونغرس الأمريكي و دُول الجوار؟ أين هي السيادة التي تجعل الآخر يُخطّط لنا المشاريع و يُهندس لنا الإصلاحات و يرصد لنا الأموال وكأنّما البلاد “وكالة من دون بوّاب” أقصد من دون حاكم أو هي الحديقة الجانبية لدول الشمال؟ تنفلت منّا الأحداث… لنقول في النهاية… لم نحكِم و لم نُحكم…
هل ما يحدث في تونس هو ممارسة فعلية للسيادة أم إنّها قطعة من الصلصال كل يوم تُشكّل على شاكلة جديدة؟ إنّها كذلك… سيادة الجوع و العطش حين يتربّعان على عرش “التفشليم و الفشوش”. جميعهم يأتون ليضربوا هيكل اللغة و يعبثوا بطِين الشّعب وصلصال الأجيال القادمة على حدّ السّواء. المهمّ من كلّ ذلك هو أنّ السوبرانو Soprano لا يعلو فوق Alto، صوته يتنقّل بين الطبقات و يستحوذ على كلّ شي لنفسه لينتهي به الأمر إلى إعلان البحّة دون موعد. إنّه السوبرانو المبحوح و الصلصال الأجنبي المبثوث و السيادة المقضومة… لنقول إنّه لا حياة ولا صلصال بعد اليوم…
دبلوماسية الإسفنج…
ما بين قرطاج ودبلوماسية الإسفنج الشيء الكثير، فللأسفنج كيس مُثقب يحتوي على العديد من الفتحات الصغيرة والتي تسمح بانتقال الغذاء منها وإليها والماء والغازات… فلعلّ الأمر يذكّرني بوضعية مماثلة لبلد يعاني الثُقب و الفتحات من كلّ الجهات. يستقبل الغذاء و الهواء من أعلى إلى أسفل ضمن منهجية Funneling أو سياسة تمرير ما لا يمكن تمريره بصفة أفقية. ليس بغريب على الإسفنج أن يتبنّى تعدّد الألوان من البنّي إلى الأحمر إلى الأرجواني وحتى الأسود. و غالبا ما تجده قابعا في المياه الضحلة كأنّما سياسة التبدّل و التغيّر و التحوّر جُبلت عليها الضحالة و السطحية و الاضمحلال و غياب المعنى و الموقف و الرؤية. ومن تكثُر ألوانه تكثُر خطاباته وغازاته، وبالتالي فهو يحتلّ كلّ مساحة شاغرة يجدها دون أن يترك طابعا أو هُوّية.
دبلوماسية الإسفنج هي تلك الدبلوماسية التي تردّ الفعل و لا تفعل، تستقبل و لا تتفاعل، تمتصّ النكبات و لا تُعالج، خفيفة في وزن الريشة مقابل ثقل المسؤوليات و المّهام التي أوكلت إليها. يمكن أن تجدها تستند إلى جسم ما كي يتسنّى لها الحياة: صخرة لدولة مجاورة أو سفينة لدولة مُناورة. هل يعلم أصحاب القرار أنّ السياسة الخارجية ليست هي نفسها الديبلوماسية أم إنّ الميكساج على أشدّه هذه الأيّام. حبّذا لو نكون من مناصري دبلوماسية الدِببة… لعلّ و عسى…
سيادة الصلصال و دبلوماسية الإسفنج هي نماذج للدول المُتبجّحة بالسيادة التي تعلم أنّنا طين في يد الآخر، لكنها في المقابل لا تعلم أنّنا كائنات إسفنجية تغزوها الفتحات.
كاتب تونسي.
شارك رأيك