انطلقت فعاليات الدورة الحادية والعشرين للمهرجان الدولي “24 ساعة مسرح دون انقطاع” يوم الجمعة 28 أفريل 2023 بندوة علمية تحت عنوان “المسرح والعتمة : المسرح يضيء من خلال العتمة ويعتّم من خلال الإضاءة” بقاعة نور الدين بن عزيزة بمركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف.
شهدت الندوة، التي دامت 180 دقيقة، حضورا لافتا من قبل المسرحيين من ممثلين وكتاب ومخرجين من تونس ومن ضيوف المهرجان من مختلف الجنسيات وكذلك من طلبة المعاهد المختصة في الفنون الدرامية سواء بتونس أو الكاف وأيضا من المتكوّنين بالاختصاص على غرار أبناء مدرسة فن الممثل بالمسرح الوطني التونسي وعدد هام من المراسلين الصحفيين ومن هواة المسرح الذين تنقلوا خصيصا لمواكبة فعاليات المهرجان.
وانطلقت الندوة بطرح عدة تساؤلات على لسان مديرها الدكتور محمد الهادي الفرحاني الذي تمكن من خلال أسئلة إشكالية مسترسلة من أن يبسط المفاهيم ويحدد زوايا المبحث العلمي لمقاربة “المسرح والعتمة”.
ليتساءل أولا إن كانت هذه الثنائية متقابلة بمعنى أن حضور المسرح يغيّب العتمة وعودة العتمة تغيّب المسرح أم أنها ثنائية جدلية متوترة يكون حضور الواحد فيها واشيا بغياب الآخر باعتبار أن النور يستقي سطوته من العتمة ولا معنى للعتمة دون نور سبقها. مستشهدا في ذلك بمقولة ابن سينا “كالشمس لو انتقبت يسيرا لاستعلمت كثيرا ولما بالغت في التجلي احتجبت وكان نورها حجاب نورها”.
وأما بخصوص المعنى المجازي الذي يشبه المسرح بنور للفكر وللمجتمعات فقد ذهب الدكتور الفرحاني إلى ان المسرح رغم كل ما يبثه من وسائل مقاومة للعنف والدموية والارهاب واللانسانية إلا أن نوره المقاوم لم يسطع في مجتمعاتنا العربية بالشكل الذي يغيّب عتمة هذه الظواهر نهائيا.
كما تعددت زوايا الطرح حيث قدمت الجامعية والباحثة والناقدة أم الزين بن شيخة مداخلة بعنوان “ملاحظات حول المسرح السياسي من خلال مسرحية ثقوب سوداء للمخرج عماد المي”، أين اعتبرت أن الركح يوزع الأضواء على الجهة المظلمة في حياتنا من فعل تعقيدات الوجود لتتساءل باستنكار كيف يمكن ادارة شؤون العتمة معتبرة أن السياسة هي فن اختراع العتمة بامتياز في حين يبقى المسرح انتصارا على شكل العتمة والتعتيم و على شكل اختزال حيوات الناس واعتقالها داخل مؤسسات السلطة ومن جهته أكد الجامعي والباحث الجزائري الدكتور أحسن ثليلاني أنه منذ ان تمت دعوته لهذه الندوة اثار عنوانها فيه الفضول مما دفعه للبحث المكثف والانتقال في المراجع بين الفلسفي والمسرحي الى حد العودة للبحث في المعاجم لتحديد المفاهيم والمصطلحات ليبرز في مفتتح مداخلته الفرق بين الإضاءة والإنارة مستشهدا بذلك بالفرق بين الشمس التي تضيء باعتبارها المصدر والقمر الذي ينير باعتباره عاكسا للضوء وليس مصدرا.
وبعيدا عن الانارة والعتمة كتقنية للابراز و الاخفاء اعتبر الدكتور احسن أن المسرح أكثر الفنون إضاءة لحياتنا وذواتنا ووجودنا ورجح أن يكون مسرح اللامعقول أكثر الأنساق المسرحية التي تقترب من الفلسفة في اشتغالها حول مبحث العتمة الوجودية وإضاءتها.
و من جهة أخرى شبه المخرج والمسرحي السعودي فهد ردة الحارثي التداول خلال العرض المسرحي بين الانارة والتعتيم ثم الانارة ثم التعتيم كالتداول في نسق الحياة بين الليل والنهار الأمر الذي اعتبره مراوحة وحركة مستمرة للفكر.
ومن جهة اخرى استشهد الحارثي بعدة اعمال مسرحية مرجعية وكذلك بمواقف من الحياة اليومية تدل على حاجتنا للعتمة بما توفره من حميمية و خصوصية كما نحتاج للنور لنصدح ونطلق تعابيرنا في العلن. حيث طرح رؤيته في شكل مفارقة مفادها أن المسرح يضيء من خلال العتمة لكنه قد يعتّم أيضا من خلال الإضاءة.
شارك رأيك