يبدو من الجدل الذي يثيره هذا المقال أن قضية وجوب ارتداء الحجاب من عدمه لم تحسم بعد في تونس، أو أنه يراد لها ألا تحسم أبدا، كما لو أن قضايا شح الماء و الجفاف و فقدان المواد الأساسية وارتفاع الأسعار و انحدار الطاقة الشرائية و غيرها من القضايا الحارقة التي يواجهها المواطنون في حياتهم اليومية لا تكفي لإلهاء التونسيين عن أوضاعهم البائسة.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
الحجاب صنعة إلهية ولم يقرها البشر حتى نجادل فيها ونؤول النصوص القرآنية وفق أهوائنا الشخصية، فما نَعَق به من سمّى نفسه داعية أو إماما أو شيخا في أحد البرامج التلفزيونية من أن الحجاب ليس واجبا لا يفقه معنى هذه النصوص التي اجتهد فيها مع أنها قطعية الدلالة وقطعية الورود والثبوت، ولا تحتمل أي تأويل سوى أن الحجاب فرض على كل مسلمة، بل إن المرأة في الإسلام مطالبة بالسّتر والحياء، ولا تُظهر شيئا من جسدها سوى ما أحلّه الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور عندما رأى أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قد لبست لباسا شفافا، خاطبها بقوله: “يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا- وأشار إلى وجهه وكفيه”.
ومن المعلوم أن المرأة التونسية كانت في قديم الزمان حيِيّة وسِتِّيرة، فلا يُرى من جسدها شيء سوى عينيها وفي ذلك دليل قاطع أن المجتمع التونسي كان في فترة من الفترات يطبّق ما جاء من تعاليم إسلامية ومحافظا على التربية الصحيحة التي تحرّم التبرج مهما كان بسيطا أو فاضحا، حفاظا على هوية المجتمع التونسي المسلم، وحفاظا على تماسكه والتشبع بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، درءا لأي جريمة أو اعتداء أو تحرش قد يقع من الرجال مهما بلغت أمانتهم.
دين الطُّهر والعفاف لا دين التميع والتبرج
وما يدعو للحزن والحيرة أن هذا الذي قال إن الحجاب غير واجب ولم يرد في النصوص الشرعية ما يدل على وجوبه، ليس هو الأول في تونس من يدعي ذلك، فقد سبقه كثيرون ممن يحلّون ما حرّم الله، ولا يدينون بدين الحق، كالأستاذ محمد الطالبي ويوسف الصديق ومحمد الهنتاتي ممن يُفتون بغير ما أنزل الله ويحوّرون ما فرضه الله تعالى بدعوى التأقلم مع الأوضاع الجديدة التي لا ترى المرأة جسدا وإنما تراها روحا قبل الجسد، وفي ذلك غبنٌ واضحٌ للفطرة الإنسانية والتركيبة البشرية، والإرادة الإلهية، فالله تعالى عندما خلق الخلق وجعله ذكرا وأنثى، نظّم العلاقة بينهما، وبيّن بما لا يدع مجالا للشك أن الأحكام التي فرضها القرآن والسنة النبوية الشريفة الصحيحة هي المنهاج الصحيح في الحياة، وما يقوله المشعوذون هنا وهناك باطل لا محالة.
فالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وإجماع علماء السلف والخلف تؤكد على وجوب الحجاب ونصت على ذلك في كثير من النصوص القطعية التي لا تحتمل التأويل، وأن المرأة المسلمة لا ينبغي أن يُرى منها إلا وجهها وكفيها، بل هناك من يقول إن المرأة المسلمة لا يُرى منها شيء سوى عينيها للدلالة على وجوب الستر الكامل وإكسابها المناعة الكاملة من أي ضرر قد يأتيها فيما لو أظهرت شيئا من جسدها، كما حرمت هذه المصادر التبرج بأنواعه كافة البسيط والفاضح مهما كانت المبررات والوسائل، ومهما كانت الدعاوى، لأن الإسلام دين الطُّهر والعفاف لا دين التميع والتبرج، ومن هنا لا يمكن لأي كان أن يُفتي أو يقول شيئا يخالف نصًّا قطعيًّا من القرآن والسنة أو يخالف الإجماع، وإن حدث كما حدث من هذا الذي أفتى بعدم وجوب الحجاب فهو باطل وراجع عليه إجماعا.
المدنية الطاغية والعولمة البائسة
ونحن في تونس لم تصل المرأة التونسية إلى هذا الحد من التبرج في كثير من المواطن إلا بعد أن حارب الرئيس السابق الحبيب بورقيبة الحجاب، وبيّن أنه يحدّ من حركة المرأة وحريتها، وهي دعوى غربية لتمييع المجتمع التونسي المحافظ آنذاك، وبالفعل استطاع بخبثه أن يقلب الحكم الشرعي من الوجوب إلى عدم الوجوب وتأثر كثير من النساء بهذه الخرافة مما أوقع النساء في حرج شديد مع الرجال والشباب الذين يبحثون عن المتعة واللذة العابرة، فحدثت الجرائم بكل أنواعها وبطرقها المختلفة بعد أن خرجت المرأة التونسية إلى الشارع بأبهى زينتها وبلباسها الضيق المفتون وبقوامها الفارع لتُظهر زينتها لكل من مرّ بجانبها وتحرّك شهوته وربما هاج وماج في تلك اللحظة واعتدى على شرفها أو تحرش بها في أدنى حال ولا يتركها في حالها.
فالستر والحياء ولبس الحجاب من أسباب توفر الأمن لدى المرأة في أي مكان في العالم وليس تونس فقط، خاصة مع التسيب الحاصل في الأخلاق، وعدم التزام الرجل والمرأة على السواء بأساسيات الأخلاق النبوية، على أن هناك شرائح كبيرة في تونس ما زالت تتمسك بالحجاب واللباس الشرعي في كثير من الأماكن، لكن المدنية الطاغية والعولمة
البائسة أثرت على كثير من الفتيات اللاتي لا يبالين بشرفهن، وعندما يحدث مكروه وما أكثره، تصدح حناجر النساء وتطالب الدولة بإنزال العقوبات الشديدة على الشباب المتحرش بهن.
شارك رأيك