الشارع التونسي شبيه بالرمال المتحركة لا يؤتمن له جانب فكما تجاهل في لحظة كافة تضحيات الرئيس الحبيب بورقيبة و اشتعلت أكفّه تصفيقا و ترحيبا بالرئيس زين العابدين بن على تدافع أمام مقر وزارة الداخلية في جانفى 2011 مطالبا برحيل هذا الأخير و استقبل شيخ حركة النهضة راشد الغنوشي بنشيد “أقبل البدر علينا” ليلفظه ليلة 25 جويلية 2021 لفظ النواة مطالبة بمحاكمته…
بقلم أحمد الحباسي
هناك شبه إجماع أن حركة النهضة قد انتهت ككيان و كمشروع و كقيادة و ككذبة كبرى صدقها الكثيرون للأسف و لا يزال البعض القليل متمسكا و ماسكا بتلابيب شيخ الحركة راشد الغنوشي معتقدا أن عقارب الساعة ستدور إلى الوراء و أن هذا الشيخ الذي يعيش حالة إنكار مفتعلة كما وصفه رفيق دربه الأستاذ سمير ديلو و أكد ذلك المنسلخ عن الحركة القيادي السابق عماد الحمامي المنتسب حديثا لصاحب الانقلاب الرئيس قيس سعيد.
هناك شبه إجماع أيضا أن الأغلبية اليوم قد نفرت نفورا كبيرا من حركة النهضة و باتت تعتبرها و هي على حق طبعا حركة إرهابية عميلة متواطئة مع مشروع تفتيت المنطقة العربية الذي تعمل إسرائيل و أمريكا و تركيا على تنفيذه.
بطبيعة الحال كشف القناع عن القناع و ظهر الوجه القبيح المقزز لكل من سعوا إلى زرع ثقافة التكفير و بث الفوضى و التدمير و باتت حركة النهضة و أتباعها مستهدفة قضائيا و شعبيا و لذلك كان من أبسط الذكاء السياسي أن يستغل الرئيس قيس سعيد هذا النفور الشعبي العارم ليخرج من جعبته تلك القرارات غير المنتظرة ليلة 25 جويلية 2021 و التي نالت استحسان نسبة هامة من المواطنين الذين اندفعوا إلى تجسيد غضبهم بإحراق مقرات حركة النهضة دون سواها.
شارع شبيه بالرمال المتحركة
يدرك المتابع الفطن لتحركات الشارع التونسي أنه شارع شبيه بالرمال المتحركة لا يؤتمن له جانب فكما تجاهل هذا الشعب في لحظة كافة تضحيات الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة و اشتعلت أكفّه تصفيقا و ترحيبا بالرئيس الراحل زين العابدين بن على فهي نفس الأكف الساخطة التي تدافعت أمام مقر وزارة الداخلية في 13 جانفى 2011 مطالبة برحيله و نفس الأكف التي استقبلت شيخ حركة النهضة راشد الغنوشي بنشيد “أقبل البدر علينا” لتلفظه ليلة 25 جويلية 2021 لفظ النواة مطالبة بمحاكمته و ربما جلده في الميادين العامة لو أمكن، لذلك نلاحظ اليوم أن حماس الذين حملوا الرئيس قيس سعيد إلى سدة الحكم قد فتر و تضاءل كثيرا و بات مهددا بنفس مصير من سبقوه لأنه فشل فشلا صريحا و صارخا في تحقيق مطامح المواطن و سمح بسقوط هيبة الدولة أمام بارونات التهريب و الاحتكار و ضرب المقدرة الشرائية للمواطن كل ذلك بسبب تشبثه المثير للسخرية بطاقم حكومي من أفشل ما حصل منذ الاستقلال.
لا يملك السيد الرئيس خطابا سياسيا مقنعا و لا تراكيب جمل بسيطة و لا حسّا مرهفا بنبض الشارع بل إنه يعتمد على صوت ذي نبرة مخيفة و جمل مكررة منفّرة و تهديدات بدون عنوان واضح و هو في ذلك لا يختلف على أساليب الإلقاء التي كان يعتمدها بعض قارئ الأخبار في الإذاعات المصرية زمن الرئيس الرحل جمال عبد الناصر و على رأسهم الإذاعي الشهير أحمد سعيد الذي نقل عنه انتصار 1967 و الحال أن الجيش المصري كان يتلقى في تلك اللحظات أكبر هزيمة عسكرية في تاريخ الصراع العربي الصهيوني.
شعارات السيادة الزائفة و البحث عن القشور
لا يملك السيد الرئيس أو لنقل لا يرغب في أن يكون له طاقم إعلامي كغيره من رؤساء العالم و هو ما أدى إلى عسر في هضم خطبه و فك شفراتها و عطّل لغة الاندماج الوجداني المطلوب بينه و بين المتلقي من عامة الشعب و هذا الأمر بطبيعة الحال له انعكاس مباشر على شعبيته إضافة إلى عدم اقتناع نسبة متصاعدة من المواطنين بخارطة الطريق الرئاسية المبنية على مطاردة المجهول و التغني بشعارات السيادة الزائفة و البحث عن القشور.
ربما لم يدرك سيادة الرئيس أن ضرب حرية التعبير هي حرب خاسرة من الأساس في زمن الفضاء الافتراضي كما أنه لا يدرك أنه مطالب بالانجازات بدل الخطابات و بتكوين حكومة قوية قادرة بدل حكومته العليلة المترددة الفاقدة لسلطة اتخاذ القرار الذي يحتكره سيادته في نزعة انفرادية تسلطية غير بريئة.
ربما يغترّ سيادته ببعض الهامشيين الذين يلاقيهم في بعض زياراته الليلية و الذين يهللون له من وحى اللحظة و قد كان عليه أن لا يقيس شعبيته بصراخ هؤلاء بل بمؤشرات ارتفاع الأسعار الذي بلغ في عهد حكومته الفاشلة نسبا خيالية و تصاعد نسب البطالة و تجارة المخدرات و الفشل في التعليم و غلق المؤسسات التشغيلية و تهرّى البنية التحتية في كل المجالات و فقدان الثقة في القضاء إضافة طبعا إلى عنف الملاعب و تحول الفساد إلى مؤسسة قائمة بذاتها.
الأمور لا يمكن أن تستمر على نفس الحال
في ظل هذه العتمة القاتمة من المؤكد أن المواطن قد شعر بأن هناك خطأ و بأن الأمور لا يمكن أن تستمر على نفس الحال و بطبيعة الحال بدأ الجميع يستفيقون و لو بتأخير كبير أن السفينة بلا ربان و هي تغرق.
من الواضح أن السيد الرئيس يطمح أن يكون الوحيد الذي يتكلم و الوحيد الذي يقرر و الوحيد الذي ينفذ و الوحيد الذي يرى الأصلح و الوحيد الذي يجلب الفرح و القادر على طمس أنفاس المعارضة الوطنية المخلصة – طبعا نحن لا نعتبر ما يسمى بجبهة الخلاص معارضة وطنية -، سيادة الرئيس لا يريد أن يكون هناك شعب يتنفس حرية و قدرة على التعبير بل يبحث عن رعايا من العبيد الفاقدين للسان و ملكة التفكير و حين فكر في “إنجاب” المرسوم عدد 54 لسنة 2022 كان كل تفكيره منصبّا على عدم ترك أي متنفس للأصوات المعارضة و كانت رغبته أن يكون هذا “الفرمان” الرئاسي الساتر القانوني الذي يمنع عنه كل نقد أو صوت معارض. لكن في نهاية الأمر هل قرأ سيادة الرئيس تاريخ الثورات و تاريخ الشعوب و تاريخ حركات المد و الجزر الشعبية التي أسقطت الأنظمة الرافضة لفهم دوران عجلة التاريخ و أن الشعوب لم تخسر معركة تحرر عبر التاريخ.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك