العيد عيدين : العيد 46 لميلاد الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (7 ماي)، والعيد 75 لميلاد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10 ديسمبر)، وبهذه المناسبة البهيجة، وعلى إثر دعوة كريمة من قبل الهيأة المديرة للرابطة بالشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تونس، تشرفت بحضور فعاليات إحياء اليومين في 6 ماي بالعاصمة – لما لا ينتقل الاحتفال القادم (مثلا) إلى مدنين أو القصرين، لمزيد إشاعة حقوق الإنسان في هاتين المدينتين ؟
بقلم فتحي الهمامي
توزع برنامج الاحتفالية على حصتين، واحدة للتدبَّر والتَّفَكُّر فِي شؤُونِ وَقَضَايَا المنظمة، والأخرى للاحتفال والاحتفاء بها.
الحصة الأولى المنعقدة صباحا بإشراف عضوي الهياة المديرة نجاة الزموري وجمال السبع تمَّ تخصيص شطرها الأول للإعلام عن جديد الرابطة أما شطرها الثاني فللنقاش والتداول في إطار ورشة عمل حول قضايا تهم مسار حياة الرابطة، وضعت تحت عنوان “الرابطة بين المكتسبات والتحديات المستقبلية”.
ففي مقدمة هذه الحصة تولى مناضلا الرابطة شادي الطريفي و احمد القلعي إخبار الحضور عن مشروع أكاديمية حقوق الإنسان المزمع بعثها من قبل الرابطة وهو لعمري مشروع واعد وثمين، وبالمثل كان رأي الحاضرين، إذ يفتح آفاق مهمة لنشر ثقافة حقوق الإنسان، للتربية والتدريب عليها، فليس له من غاية سوى النهوض بالإنسان، وليس له من هدف سوى الإسهام في بناء إنسان غير مُتَعَصِّب وغير مُتَصَلِّب، مُتَسَامِح صَفُوح، مُحِبٌ لِلمساواة والحرية، مُتَعَلِّقٌ بهما.
وقد اقترحت أثناء النقاش أن يختار لهذا المشروع اسما غير الأكاديمية، لتعاليه ونخبويته، وان يعوض بالمدرسة لاقترابها من وجداننا، ولما تحمله من معنى القرب واتصالها بمفهوم التربية. وأضيف هنا اقتراحا آخرا يتمثل في إسناد اسم واحد من مؤسسي الرابطة أو واحد من مناضليها إلى هذا المشروع إجلالا وتكريما له.
ثم تاليا وبعد ان تمت تلاوة بيان الرابطة في ذكرى تأسيسها من قبل محي الدين لاغة كاتبها العام، والذي حمل عنوان “الرابطة قلعة للدفاع عن الحقوق لكل الناس” وقد تركز على:
●التذكير بتاريخ الرابطة المجيد منذ انبعاثها من صمود ومقاومة والذي لم يمنعها من رصد الانتهاكات ونشر ثقافة حقوق الإنسان،
●إعلان التمسك الثابت بدولة القانون الضامنة للحقوق والحريات،
●التنبيه من استشراف الفساد وغياب المحاسبة الفعلية،
●التصدي للظاهرة الإرهابية،
●التحذير من خطورة الانحراف في هذه المرحلة نحو الحكم الرئاسوي،
● والتنديد بالمراسيم الماسة بحقوق الإنسان الأساسية.
نقلتنا رئاسة الاجتماع إلى جلسة نقاش مثمرة عن المكتسبات والتحديات المستقبلية (للرابطة)، سافر فيها المتدخلون إلى الماضي، متذكرين ما كابدوه من صعوبات وما حققوه من إنجازات، ثم عادوا إلى الحاضر يَتَفَكَّرُون في تعقيداته وصعوباته، ومن جديد سافروا إلى المستقبل يستقرؤون تحدياته ويفتحون آفاق واعدة. فامتزج الكلام عن شؤون الرابطة بقضايا العباد، وامتزج الحديث عن حقوق الإنسان بقضايا البلاد، في كنف الاعتزاز بالرابطة وإبداء المحبة والتعلق بها. فالرابطة ليست ” قطعة حبل جايبها واد” كما يقال، وإنما هي منظمة تكونت بعقل وسواعد أبنائها وبناتها المقتنعين بغير غرور أن “ما يبقي في الواد كان حجرو”…
ومن جهتي أعتقد ان الرهانات، كما حددها الأستاذ إبراهيم بن صالح في كتابه “الرابطة بين الرهانات القديمة والتحديات الجديدة”، التي واجهت جيل المؤسسين، هي نفسها التي اعترضت الأجيال التي تتالت بعدهم، بما في ذلك الجيل الحالي. وتتمثل هذه رهانات التي لا مفاضلة بينها في:
●الاستقلالية عن السلطة الحاكمة،
●مقاومة التجاوزات الحزبية والتوظيف السياسي
●اكتساب المصداقية النضالية،
●الديمقراطية،
●الحوكمة الديمقراطية.
فالرابطة، بصفتها جمعية تنتمي إلى المجتمع المدني، قدرها مقدور وقضاؤها مقضيّ أن تكون في السلطة المضادة للسلطة الحاكمة، وان تكون في الآن نفسه بصفتها حاملة للواء الحرية والمساواة ضد سلطة الثقافة السائدة في المجتمع، وأن تكون في نفس الوقت – أيضا – على علاقة قوية مع القوى السياسية الديمقراطية ولكنها لا تقبل التوظيف من قبلها – أو من قبل غيرها – دفاعا عن استقلاليتها.
هذا علاوة على ان صفة جمعية لم ينزع عنها صفة المنشغل بقضايا الوطن وإشكالاته، فجعل منها منظمة وطنية تاريخا وفعلا وواقعا.
ولمواجهة هذا المصير وللتوفيق بين الصفتين تجد الرابطة نفسها دائما في مرانات صعبة عليها ان تجتازها بسلام في كل أزمة في كل سياق وفي كل وضع.
أما الحصة الثانية المنتظمة في المساء فتمثلت في إقامة حفل لطيف في المقر الجديد للرابطة، فاجتمعت بالتالي فرحة افتتاحه بالفرحة بالعيدين، وقد بذل شكري وشاكر وسنية وسهام ووسيم (طاقم الرابطة الإداري) كل ما في وسعهم لتوضيبه، وتزيَّينه، وجعله على أحسن صورة، كتزويق بهوه بصور الرؤساء السابقين للرابطة (سعد الدين الزمرلي – محمد الشرفي – منصف المرزوقي – توفيق بودربالة – المختار الطريفي – عبد الستار بن موسى – جمال مسلم)، وغيرها من مظاهر الفرحة.
هذا الحفل غير المُكَلِّف ماديا والمنظم من غير تَكَلُّف، والذي أشرف عليه رئيس الرابطة بسام الطريفي، وحضره عدد هام من الضيوف يمثلون إتحاد الشغل وعدد من الجمعيات والأحزاب وهيأة الوقاية من التعذيب، إلى جانب شخصيات وطنية وممثلين لعدد من فروع الرابطة (صفاقس- قليبية – الحمامات – قفصة – قصرين – بنزرت – قبلي – بن عروس أريانة…) اشتمل على تكريم، في أجواء رائِقة، أعضاء سابقين للهيئة المديرة للرابطة من بينهم جمال مسلم – روضة الغربي- الهادي بن رمضان و ابراهيم بن صالح…
وفي نفس الوقت، وعلى أنغام موسيقية مُبْهِجة، بهجة المكان، تمَّ تبادل التهاني، مع استحضار تاريخ الرابطة الحافل بالنضالات بين مختلف الأجيال الرابطية الحاضرة : “كل شجرة اتجيب اثمارها”… ومن وجوه التي التقيتها في الاحتفالية التقاء الأهل: سهير بلحسن (المؤتمر الخامس)، خديجة الشريف (المؤتمر الثاني)، الطاهر شقروش (المؤتمر الثالث)، مختار الطريفي (المؤتمر الخامس)، أنور القوصري (المؤتمر الخامس)، ناجي مرزوق (المؤتمر الخامس)، فتحي الهمامي و رياض الغربي (المؤتمر السادس)، علي العمامي وآمال الراجحي (المؤتمر السابع)…
وللإجابة عن السؤال الوارد في العنوان أقول ان الرابطة، وإن لم تبلغ الصحَّة التامَّة، والبرء الكامل من الإسقام والبلايا، هي – بالفعل – تتعافى وتبدأ في استرجاع قُوَاها بعد مرض أصابها في العهدة السابقة. ومن أمارات استرجاع صحتها:
● إعادة ربط التواصل مع مناضلي الرابطة في مختلف الأجيال،
● بروز قيادة منسجمة يمتزج فيها روح الشباب مع تجربة الأكبر سنا،
● إبداء مواقف رصينة بوصلتها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان،
● ظهور سياسة تواصلية فاعلة.
وهذا التعافى بالطبع لا يعفي القيادة مِن زيادة بذل الجهد بغاية النهوض أكثر بالرابطة، وجعلها مؤسسة محترفة ناجحة، ولكن لا بد في هذه المسيرة من مزيد التوقي من داء الفئوية، فهو مرض شديد ومُستَعْصٍ. وفي الأخير لا نسْأَلُ للرابطة سوى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ.
ناشط حقوقي.
شارك رأيك