ليس من المنصف أن يُفهم انتساب إرهابي حادثة جربة، التي أودث بحياة خمسة أشخاص يوم الثلاثاء 9 ماي 2023، إلى الحرس الوطني على أنه ترجمة لوجود قصور في سير هذا السلك، وإنما هي رسالة حمراء من الداخل تؤكد على أن الانتساب إلى هياكل وزارة الداخلية في ظل الظروف القائمة أصبح “قضية وطنية” تمسّ صميم “الأمن الداخلي”.
بقلم العقيد محسن بن عيسى
لقد أصبح واضحا أنّ ما حصل في جربة هو أكبر من التدابير الأمنية، بل يتجاوز ذلك إلى تحولات كبرى طالت المجتمع وثقافته بأسرها خلال العشرية الماضية. فالمشكلة تكمن في انحراف النهج السياسي لسنوات وانزلاقه الى مسارات كادت أن تفتّت المجتمع والدولة، وطبيعي أن يكون لهذا الانحراف انعكاساته على المؤسسة الأمنية.
الأسلاك الأمنية لا تعمل في فراغ لذا فإنّه لا يمكن القيام بأيّ تغيير أو تطوير على سلوك أفراده في المطلق ما لم تساهم البيئة الخارجية من “سياسات وتشاريع ومؤسسات وقيادات” في تغذيته والتمهيد له.
دعونا من تصريحات خبراء آخر الزمان، فالإرهابيون يعيشون بيننا، وهم مستعدّون عبر “ذئابهم المنفردة” للمباغتة و قوات الأمن الداخلي لهم بالمرصاد. ولكن من المستحيل وضع حواجز في كل مكان، وتوفير الحماية الفعالة لكل منزل وكل مؤسسة وكل شخص، حتى لو تحوّل المجتمع بأكمله إلى بنية أمنية واحدة.
الدولة تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى وعي عميق بظروفها. لم يعد هناك مفر أمامها لكي تستمر وترسّخ هيبتها، من أن تبدأ بحسم الخلل في السلوك الوطني بشكل عام، ولدى موظفي الدولة المعينة بعد 2011 بشكل خاص. القضية هي محصلة لجملة السياسات المعتمدة في الانتدابات والترقيات والتعيينات وإسناد المسؤوليات.
لا أحد يشك في دور ومكانة سلك الحرس الوطني، وشرف الانتساب إليه. ولا أودّ أن أطرح رأيا فقط بقدر ما ألتمس البحث عن إجابات لوقع الانتداب والتدريب لديه الآن. فالسلك الذي أسسه الفلاقة والمقاومون وساهم في بناء دولة الاستقلال وسُجل له السبق في أن يكون أول جهاز أمني تونسي بحت، لا زال رغم اهتزاز البلاد محل ثقة المواطن وأجهزة الدولة. وعلى هذا المعنى يجب أن يعود التكوين لديه إلى الأصل أي لا يتوقف على المواد التعليمية الأمنية والتدريبات العسكرية، بل يتركّز بشكل أكبر على كيفية بناء شخصية ضابط وعون الحرس الوطني وطنيا وتحصينه من المؤامرات التي تحاك ضده وضدّ سلكه في جنح الظلام.
ليس من المنصف أن يُفهم انتساب إرهابي حادثة جربة إلى الحرس الوطني على أنه ترجمة لوجود قصور في سير السلك، وإنما هي رسالة حمراء من الداخل تؤكد على أن الانتساب إلى هياكل وزارة الداخلية في ظل الظروف القائمة أصبح “قضية وطنية” تمسّ صميم “الأمن الداخلي”.
ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.
شارك رأيك