الشعب التركي أصبح أكثر وعيا بمحركات الأمور ولن تخدعه البروباغندا السياسية و سيعرف كيف سيحسم أمره في الإتجاه الأصلح لمصالحه في وضع اقتصادي داخلي و خارجي صعب.
بقلم ياسين فرحاتي
تزامنت الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية و الرئاسية في بلاد مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة العلمانية الحديثة في تركيا بين الرئيس المنتهية ولايته أردوغان و مرشح المعارضة كاليشدار مع بدء وقف إطلاق النار بين إسرائيل و الفصائل الفلسطينية المقاومة ببساطة مصرية و قرب التوصل إلى اتفاق لإطلاق النار في السودان بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان و قائد قوات الدعم السريع بقيادة حمايتي من خلال مبادرة سعودية-أمريكية و من المنطقي تناول ملف الأجواء السياسية التركية المبرمجة قبل الزلزال الأخير و الذي أودى بحياة عشرات الآلاف بمنأى عن مجمل المناخ العام للإقليم في إطار منظومة أو نسق من التفاعلات الداخلية و الخارجية لأن الدول اليوم تتحكم فيها عوامل عديدة و لا توجد إلا دول قليلة على الحياد التام إلا تلك المعزولة مثلا و في الحقيقة من يتخذ لنفسه مكانا بعيدا عن التجاذبات ستجذبه رياح و عواصف التغير رغما عنه بمفعول العوامل الاقتصادية و المناخية و الإجتماعية و الإنسانية و هذا ضروري لمزيد فهم تقلبات السياسة و سبر أغوارها و فك شفرة بعض النواميس الغامضة في طبيعة البشر و سنركز من خلال مقالتنا هذه على مآلات الانتخابات في تركيا بعد أن نكون قد فهمنا و حللنا الجولة الأولى منها.
هل ستقطع تركيا قريبا مع الإسلام السياسي ؟
فحسب الأخبار الأخيرة، فإن النتائج تبدو متقاربة و كل طرف يرفض القبول بنتائج الآخر و هذا أمر في كل انتخابات العالم و لكن لجنة الانتخابات هي وحدها القادرة على حسم الجدل المحترم. و قد تأكد ان رجب طيب أردوغان حاز على ثقة 49,51% من الناخبين بينما حاز كاليشدار على باقي الأصوات أي 44,88% و هو ما يثبت أن التنافس سيكون على أشده في الجولة الثانية بعد أسبوعين في 28 ماي الجاري خاصة و أن حزب العدالة و التنمية الذي يتزعمه الرئيس التركي قد حصد الأغلبية في البرلمان وهو ما سيدعم حظوظه في الفوز و قد يدفع المعارضة أيضا إلى مزيد رص صفوفها و تجنب الانقسامات الحالية.
على أية حال توصف هذه الانتخابات كونها الأهم في تاريخ البلاد فهي ستفرز حتما وضعا جديدا إما القطع نهائيا مع تجربة حزب العدالة و التنمية و إنهاء أحد أهم معاقل و حصون الإسلام السياسي و انفتاح تركيا على عصر جديد من القبول بالآخر و بناء جسور متينة للتعاون مع دول الإقليم و الكف عن التدخل في شؤوونها الداخلية و لا ننسى أن هذه الانتخابات تزامن أيضا مع عودة سوريا إلى الحضن العربي و تجديد عضويته في جامعة الدول العربية بعد جهود جزائرية جبارة في طي صفحة الماضي و محاولة إعادة اللحمة للعرب مجتمعين و الشعب الفلسطيني الشقيق يحيي ذكرة النكبة في ظل تواصل جرائم المحتل الإسرائيلي الذي يوثقها الفلسطينيون لحظة بلحظة و ساعة بساعة و يوما بيوم.
المطالب الإجتماعية و الاقتصادية هي المحدد الأول
و نبقى في الداخل التركي دون أن نغفل عن الخارج أي المحيط الذي يمثل جزءا من الواقع و المستقبل أيضا، حيث نرى مثلما رأى الأستاذ محمد حسنين هيكل رحمه الله في معرض حديثه عن الفكر و السياسة و الصراع الدولي أن المطالب الإجتماعية و الاقتصادية هي المحدد الوحيد للرئيس التركي القادم فالحروب لم تعد مقبولة و لا من أولويات المجتمع أيا كان هذا أولا و ثانيا أن دور المفكرين يجب أن يحظى باهتمام الرؤساء لضمان حسن سير الدولة و دواليبها لذلك يتعين على الأتراك أن يختاروا الأقرب لعقولهم و قلوبهم ذلك أن أحد أسباب انهيار الحكم في معظم الدول و الممالك العربية و الإسلامية هي الأوليغارشية و تضارب المصالح.
الشعب التركي أصبح أكثر وعيا بمحركات الأمور ولن تخدعه البروباغندا السياسية و سيعرف كيف سيحسم أمره في الإتجاه الأصلح لمصالحه في وضع اقتصادي داخلي و خارجي صعب.
كاتب من تونس.
شارك رأيك