يدرك الشيخ راشد الغنوشى في سجنه أن الرئيس التركي لم يعد قادرا على مساندته و لا على إنقاذه من المحاكمات المتتالية التي تنتظره كما يدرك أنه بانتصار سوريا و صمودها لم يعد هناك ملاذ آمن لرموز الإسلام السياسي و قيادات الإرهاب الاخوانية و لعل الرئيس التركي قد بات ورقة محروقة بالنسبة لجماعات الإرهاب و مرتزقة التجارة بالدين.
بقلم أحمد الحباسي
يقال دائما أن الأرقام لا تكذب و الأرقام تؤكد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يحكم تركيا منذ عشرين عاما كان يفوز في كل الانتخابات من الدورة الأولى إلا هذه المرة التي حصل فيها على أدنى معدل تصويت مما استدعى الاحتكام إلى دورة ثانية. ربما يفوز الرجل في الدورة الثانية و ربما ستتحمل المنطقة مدة أخرى هذا الشخص الذي تلطخت أياديه بدماء الأبرياء في سوريا و الذي عانت منه المعارضة التركية بكل تفاصيلها و أطيافها ليجعل من تركيا سجنا كبيرا تنتهك فيه كل حقوق الإنسان، هذا الرجل و خلافا لما يظن البعض من أكبر الديكتاتوريين في المنطقة وهو الذي سعى إلى تطويع الدستور التركي ليصبح الحاكم بأمره و أكثر السياسيين الذي يغطون على الفساد و الفاسدين بمن فيهم ابنه المشتبه به في أكثر من قضية فساد.
استبدادي متآمر و منافق سياسي
الاعتقالات الجماعية، القمع، تكميم الأفواه، ضرب حرية الإعلام ، الاعتقال على الهوية، المحاكمات الجائرة، هذه عناوين ما يقع في تركيا بتعلة ما سمي بالانقلاب الفاشل على حكم الرئيس التركي في سنة 2016.
من خاصية الرئيس التركي أنه “ديمقراطي جدا” فهو لا يعترف بالمعارضة شكلا و مضمونا كما لا يعترف بالصحافة الحرة و تحتل بلاده المرتبة 151 من أصل 180 بلدا فى هذا الخصوص و لا بالأحزاب المعارضة التي تقف في وجه سياسته الاستبدادية و القمعية و من خاصيته أيضا أنه منافق سياسي من الدرجة الأولى فهو من يقدم الحماية للقواعد الأمريكية في تركيا لضرب العراق و هو من ارتبط بتحالف استراتيجي مع إسرائيل مع أنه يقول أنه سيحرر فلسطين و سيقف مع الشعب الفلسطيني و هو من تحالف مع الجماعات الإرهابية و يمارس إرهاب الدولة في الأراضي السورية بحجة الدفاع عن ما سمى “بالمعارضة السورية” و هو من يساند مشروع الإخوان المسلمين المتآمر على المنطقة العربية لكنه هو أول من تخلص منهم بمن فيهم تلك الأبواق الإعلامية القذرة التي كانت تبث سمومها من إسطنبول و ذلك كشرط مصري لتطبيع و عودة العلاقات بين البلدين.
من مخططات الرئيس التركي أنه من ساهم في تدمير ليبيا و من كان يسعى للتحالف مع الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير لتطويق مصر و خلق مربض للجماعات الإرهابية في السودان.
تؤكد الأحداث أن استعادة سوريا لمقعدها بالجامعة العربية نتيجة صمودها في وجه المؤامرة التي استهدفت النظام السوري بالأساس و مولتها السعودية و قطر و كان النظام التركي شريكا فاعلا فيها أن الرئيس التركي قد خرج أكبر مهزوم خاصة و أنه وعد شعبه بالصلاة في المسجد الأموي فرحا بسقوط الرئيس بشار الأسد و لعل ما تؤكده الأخبار من سعيه لتوسيط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعقد اجتماع بينه و بين الرئيس بشار الأسد يعطي الدليل القاطع أنه قد اتخذ هذه الخطوة مكرها و بكثير من مرارة الفشل و الخيبة خاصة بعدما وجد نفسه معزولا بعد الاتفاق السعودي الإيراني القاضي بإرجاع العلاقات و فتح السفارات.
عزلة داخلية و إقليمية متزايدة
بطبيعة الحال ليس مستغربا أن يسقط الرئيس التركي هذه المرة في الدور الثاني و حتى و إن أفلت من الهزيمة فمن المؤكد أنه سيكون أول من دفع فاتورة عودة سوريا معززة مكرمة إلى الجامعة العربية و فاتورة دم الأبرياء الذين أسالت قواته الأمنية دماءهم في ساحة تسنيم الشهيرة.
في الواقع تشكل قمة الرياض و عودة سوريا للجامعة و حضور الرئيس بشار الأسد هذه القمة ضربة سياسية و صفعة على خد الرئيس التركي الذي فعل كل شيء حتى يسقط الرئيس السوري و إذا عبّرت الدول الغربية عن صدمتها أو معارضتها للوجود السوري في قمة الرياض فان الرئيس التركي الذي تآكلت شعبيته بشكل كبير و بات يعانى من حالة رفض شعبية متصاعدة لسياسته الداخلية و الخارجية يجد نفسه معزولا إقليميا و دوليا خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تغفر له موقفه المرتبك و المناور في الأزمة الأوكرانية الروسية و هي لن تتأسف كثيرا لو سقط في الانتخابات الرئاسية و التحق بصديقه المقرب عمدة اسطنبول الذي فقد موقعه منذ أشهر قريبة أمام مرشح المعارضة.
يدرك الشيخ راشد الغنوشى في سجنه أن الرئيس التركي لم يعد قادرا على مساندته و لا على إنقاذه من المحاكمات المتتالية التي تنتظره كما يدرك أنه بانتصار سوريا و صمودها لم يعد هناك ملاذ آمن لرموز الإسلام السياسي و قيادات الإرهاب الاخوانية و لعل الرئيس التركي قد بات ورقة محروقة بالنسبة لجماعات الإرهاب و مرتزقة التجارة بالدين.
تظهر تصريحات الرئيس التركي الآيل للسقوط أنه قد فقد سيطرته على الأوضاع و لم يعد لاعبا أساسيا في المشهد السياسي للمنطقة و قد لاحظ الكثيرون أن الرجل قد بات يقبل بلقاء الرئيس بشار الأسد دون شروط و في أي مكان و هو تطور غير مسبوق كان الكثيرون يرونه من باب المستحيلات.
لقد طرح الإعلام على الرئيس السورى القبول بلقاء مع نظيره التركي كورقة انتخابية بإمكانها أن ترجح كفته فى الانتخابات الرئاسية الحالية لكن المطلب قوبل بالرفض الشديد بما يعنى أن السيد بشار الأسد رغم عدائه الشديد لا يرى من سبيل في هذا الخصوص إلا ترك الرئيس التركي لمصيره المحتوم ليسقط كالثمرة المريضة من الشجرة على اعتبار أنه سواء انتصر أو سقط فانه فقد الكثير من شعبيته و بات مجرد سياسي مريض يحتضر و لا ينتظر من الأيام القادمة إلا الأخبار السيئة التي ستشكل رصاصة الرحمة لمشواره السياسي الملوث بدماء الأبرياء.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك