هل يقبل الفعل الموسيقي بالاختزال في تعريفات قطعيّة؟ لماذا يشكّل المعنى هاجسا لدى الرسالة الموسيقيّة؟ كيف تجمع الموسيقى بين الممارسة الإبداعيّة والبعد العلمي؟ أين تتجلى الوظيفة الاتصاليّة في كل خطاب موسيقي؟ أليست كل الأعمال الموسيقيّة أشكال وعي بما في ذلك وعي اللاوعي؟
ناقشت نخبة من المبدعين والأكاديميين والمولعين بقضايا المعنى والموسيقى هذه الأسئلة المفتوحة على دوام في يوم تساؤليّ بامتياز، نظّم خلاله قسم الفنون بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” ملتقى عنوانه “ما الموسيقى؟” وتحوّل هذا السؤال المتجدّد إلى أسئلة قوامها ما المعنى؟ ما الوجود؟ ما الإنسان؟ ما الفلسفة؟ ما الحقل الدلالي؟
افتتح الملتقى رئيس القسم الأستاذ سمير بشة مقدّما مداخلة إشكاليّة تتساءل وتجيب كي تسأل من جديد، لأنّه في كلّ إجابة يثير أسئلة مفتوحة إيمانا منه بسرمديّة إعادة التفكير في السؤال الموسيقي، فلا توجد في نظره أطروحات وأعمال تختزل كنه الفعل الموسيقي، لذلك يظلّ هذا السؤال وفقا لمقاربته موضوعا للدرس من قبل الأجيال اللاحقة.
وتتقاطع معه في هذا السياق مداخلة الأستاذة سعاد كمون شوك، مقدّمة مقاربة حول موسيقى المعاني ومعاني الموسيقى، ونازعة نحو التشديد على التلازم الأنطولوجي بين الفعل الموسيقي والتأمّل الفلسفي، إذ ذكّرت في هذا المجال بحجم انشغال الفلاسفة منذ فجر التاريخ بمنزلة الأعمال الموسيقيّة.
كما اهتمّ عديد المتدخلين بهويّة الفعل الجمالي باعتباره مجالا تساؤليّا غالبا ما يفلت من الاختزال وإن وقعنا أحيانا في فخاخ لعبة التعريف وأغوتنا بعض المقولات المتسلّلة لسيكولوجياتنا، وفي سياق طرح هذه المعضلات تتقاطع مداخلتي رشيدة التريكي وأم الزين بن شيخة المؤكّدتين على تشتّت المعنى في ظلّ تعدّد النظام القصدي، ممّا يحتّم إطلاق العنان للتفكير والتحرّر من هواجس طمأنينة الأجوبة المغلقة.
عموما يمكن اعتبار فعاليات الملتقى امتدادا للتظاهرات التي ينظّمها القسم بانتظام لطرح الأسئلة، وللانفتاح على مزيد من الباحثين ومن اختصاصات مختلفة سعيا إلى إثراء الرصيد المعرفي الإنساني لأنّ “الأسئلة أهمّ من الأجوبة” وفقا لعبارة الفيلسوف كارل ياسبرس.
شارك رأيك