تلبية لدعوة رسمية من دولة الإمارات العربية المتّحدة وذلك بمناسبة احتفاء الدورة 32 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2023 بإنجازات العلاّمة والفيلسوف التونسي والعربي “عبد الرّحمان ابن خلدون” مؤسس علم الاجتماع، واعتباره “شخصية محورية” لهذه الدورة، مثّلت وزيرة الشؤون الثقافية الدّكتورة حياة قطاط القرمازي الجمهورية التونسية اليوم الخميس 25 ماي 2023 كمتحدّث رئيس، ضمن ندوتين فكريتين هامتين، الأولى تحت عنوان ” تأمّلات في فلسفة التاريخ لابن خلدون”، والثانية تحت عنوان “كيف نصل للاحتراف في النشر”.
وانتظمت الاولى بمشاركة كل من الدّكاترة نور الدين الصغير ونجيب بن خيرة عن جامعة الشّارقة والدكتورة نادية الشيخ، نائب عميد جامعة نيويورك للشؤون الثقافية البحرينية، وكان تفاعل الحضور كبيرا مع محتوى الندوة، التي استعرضت جانبا من الجوانب المضيئة في فلسفة العلامة “ابن خلدون”.
وقد برمجت الهيئة المنظّمة لمعرض أبوظبي الدّولي للكتاب مجموعة من الفعاليات الفكرية والثقافية لمناقشة أعمال العلامة عبد الرحمان ابن خلدون وتراثه فلسفيا وأدبيا، يشارك فيها عدد من الأدباء والمفكّرين من الوطن العربي ومن العالم.
وتتطرق جملة هذه الفعاليات الثقافية والندوات الفكرية إلى مجموعة من المحاور الكبرى، على غرار “ابن خلدون بين مؤرخ وروائي” و”تأملات في فلسفة ابن خلدون التاريخية” و”المقدمة والتاريخ” و”وقفة مع رؤاه في الفلسفة والأدب” و”أثر ابن خلدون في الفكر العالمي”.
ونُذكّر أن تونس كانت قد وقّعت في شهر ماي الحالي مذكّرة تفاهم بين وزارة الشؤون الثقافية ومركز جامع الشيخ زايد الكبير ممثلا في السيّد عبد الرحمن محمد العويس رئيس مجلس الأمناء للمركز بشأن ترميم “دار ابن خلدون”، وتهيئته كمتحف للعلامة عبدالرحمن بن خلدون، ما يؤكّد على ثراء التّعاون التونسي الاماراتي في المجال الثقافي والتراثي وما يدفع إلى إبراز الجهود الثنائية التونسية الإماراتية لتثمين الموروث الثقافي العربي والإسلامي، خاصّة وأن الاهتمام المحلّي والعربي بدار العلامة عبد الرحمن بن خلدون يعكس جانبا من رمزيتها التاريخية والحضارية.
وبالمناسبة، أدّت الدكتورة حياة قطاط القرمازي زيارة الى جناح “ابن خلدون”، بالمعرض، رفقة سعادة سفير الجمهورية التونسية بالإمارات العربية المتحدة السيد معز بن ميم، أين اطّلعت على مختلف أقسام الجناح المصمّمة على شكل 3 غرف تمثل 3 فترات زمنية من حياة هذه الشخصية التاريخية الفريدة من نوعها والمفكر التنويري الذي ولد في تونس عام 1332 ميلادية / 732 هجرية، والذي يعتبر واحدا من أهم العقول التي أنجبتها الحضارة العربية الإسلامية.
فيما انتظمت الندوة الثانية تحت عنوان “كيف نصل للاحتراف في النشر”، واستعرضت في جوانب منها الإشكاليات التي يواجهها قطاع الكتاب والنّشر في البلدان العربية وسائر بلدان العالم، وسبل النجاح في تحويل قطاع الكتاب والنّشر الى صناعة إبداعية قادرة على تحقيق التنمية الاقتصادية والتوازن الاجتماعي، وهو ما يمثّل محورا من محاور استراتيجية الإصلاح صلب الوزارة.
وفي إطار مداخلتها حول التجربة التونسية في مجال الكتاب والنشر، أكّدت الدكتورة حياة قطاط القرمازي أن تونس توفّر كلّ أسباب النجاح للكتاب العربي بِوصْفه صناعة ثقافية، إذ توفّر للنّاشر التّونسي دَعْمًا على الورق بنسبة قدرها 70 في المائة، إلى جانب اقتناء نُسَخ من الكتاب بعد طَبْعه تُوزّع على مكتبات عموميّة للمُطالعة، فضْلا عن إعْفاء النّاشرين التّونسيّين من دفْع رُسوم الجمارك عند المشاركة في المعارض الدُّولية.
وأضافت الوزيرة أنّه لا رقابة على الكتاب في تونس، ما عَدَا الكُتب التي تُحرّضُ على الإرهاب، وتَدْعُو إلى الكراهيّةِ وتحُثُّ على العُنف، لإعْتِقادنا أنّ الفِكْر أنْبل وأسْمى ما متَّعَ الله بِه الإنسان.
وأكّدت في هذا السياق أنّ مسؤوليّة النّاشر العربي اليوم جَسِيمَة وتتطلَّبُ مزيدًا من الجُهود لتوزيع الكتاب وتوفيره إلى جانب البَضائع الاستهلاكيّة الأخرى التي يُقْبِل عليها المواطن العربي بصفة يوميّة، وإنّ تَقَلُّصَ عدد النُّسخ المطبوعة يدُلُّ على عدَم قُدرة النّاشر تَوْفير أسْباب النجاح لِبِضَاعته وعَدَمِ القُدْرة على تَرْويجها فَلَا مَعْنَى لكتاب تُطْبَعُ منه 500 أو ألف نسخة.
ختاما، قدّمت الوزيرة جملة من التساؤلات حول السبل الكفيلة بترسيخ عادة القراءة والمطالعة عموما لدى المواطن العربي في بيته وفي مختلف المرافق العمومية التي يرتادها كمحطات وسائل النقل وفي المستشفيات والعيادات وفي المقاهي لتتحول كل هذه الفضاءات إلى مجالس للمطالعة، وهُنا تَكْمُن قدرة النّاشر وتَبْدأ رسالته لأنّ النّشر صناعةٌ وحرفةٌ فلا يمرّ الكتاب إلى المطبعة إلا إذا تكوّنت له لجنة قراءة ومُراقبًا أو مُراجعاً لغويا ومُصمّماً محترفا يطوّر شكله ليبرز محتواه الجيّد ويُنافس به المُنتجات الأخرى التي تُروّجُ في السّوق.
شارك رأيك