جميل جدا أن يكون للفلاسفة و المفكرين يوم عالمي يحتفلون فيه بعلمهم و يعرضون فيه ثمرات فكرهم عبر العصور و يستشرفون فيه مستقبل الإنسانية. و في هذا اليوم الذي يصادف الخميس الثالث من شهر نوفمبر، تظهر اليونسكو القيمة الدائمة للفلسفة في تطوير الفكر البشري في كل ثقافة وفي كل فرد. (الصورة: تمثال الفارابي في ألماتي بكازاخستان و تمثال ابن رشد في قرطبة بإسبانيا).
بقلم ياسين فرحاتي
هذا اليوم يوم يفترض أن تقام فيه صالونات لتكريم الفلاسفة و تقديم الجوائز و شهادات الشكر و التقدير جزاء ما يقومون به من أدوار تنويرية و ريادية و طلائعية صلب مجتمعاتهم التي هي أحوج ما تكون أن يضخ في نفوس أفرادها و عقولهم نبع الحكمة.
لقد مثلت بلاد الإغريق الأرض الأم التي ولدت كل العلوم بالنسبة للغرب بما فيها الفلسفة و مثل العرب و المسلمون ناقلين و مترجمين و شارحين لنصوص الفلاسفة اليونانيين القدامي خصوصا إبن رشد الملقب ب”شارح فلسفة أرسطو” و هو المبادر و صاحب السبق و الفضل في ما وصل إليه الغرب من تلك المعارف البشرية.
الفلسفو تخرج الإنسانية من ربقة الجهل
و إذا كان أرسطو يعد “المعلم الأول”، فإن الفارابي هو “المعلم الثاني” و هذا تذكير بالدور المركزي الذي لعبته الفلسفة في صنع الحضارات السابقة و اللاحقة و كيف أخرجت الإنسانية من ربقة التخلف و ظلمات الجهل و من درجة الحيوانية و”الإنسان حيوان ناطق” مثلما يقول أرسطو و “قصبة مفكرة” من وجهة نظر باسكال و كما أكد فيلسوف الحداثة روني ديكارت أن “أكبر نعمة يعطيها الله لشعب من الشعوب هو أن يهبه فلاسفة حقيقيين” و الفلسفة كما العلم دأبها و ديدنها أيضا الحقيقة و لكنها الحقيقة النسبية التي تحتاج دوما إلى مزيد التدقيق.
يؤكد العديد من المفكرين و الباحثين و الخبراء اليوم، أن من أحد أسباب تراجع و تقهر العرب طيلة عقود بل قرون خلت هو إهمالهم للفلسفة “أم العلوم” و تجاهلهم للتفكير العقلاني حيث صرنا أمة لا تنتج فلاسفة من الطراز الرفيع الذين لهم القدرة على التغيير صلب مجتمعاتهم بسبب أو أنها لا تهتم بأعمال فلاسفتها و إبداعاتهم الفكرية أو ترميهم بالكفر و الإلحاد أو يقع تهميشهم من قبل بعض أنظمة الحكم لمجرد أن بعضهم مثلا له وجهة نظر مختفلة أو غير متوافقة مع سياسة الدولة. و من طبيعة المفكر أن يكون خارج السلطة و إن اقترب منها كثيرا فإنه يكتوي بنارها. لكن المفكر هو أيضا رجل إصلاح و توفيق بين الأفكار و المواقف المتناقضة و مهندس مؤسس لروح التآخي و التآنس و التعايش السلمي مثلما نادى بذلك الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط في كتابه “من أجل سلم أبدية”.
الفلسفة لا تتعارض مع الدين
من الخطأ الاعتقاد أن الفلاسفة يعيشون في أبراجهم العاجية فالبعض يقيم أدلة واهية بحجة أن لغتهم عصية عن الفهم و الاستيعاب فعدم فهم الفلسفة ليس لعيب فيها مثلما يقول الفيلسوف الألماني كارل ماركس بل “لسوء هضم فلسفي”. ذلك أن واجب الاجتهاد كفيل بتحسس مغزى و معنى الفلسفة و التفلسف و الاقتراب من محراب الفكر المستنير و المنير. لكن كثيرين يرفضون الفلسفة جملة و تفصيلا بحجة أنها تتعارض مع الدين و هو ما نفاه إبن رشد أيضا إذ من الممكن في رأيه التوفيق بينهما و كثيرة هي الآيات القرآنية التي تحث و تدعو إلى التفكر و التدبر و إعمال العقل في إقرار صريح و واضح بعلوية العقل كموجه لفكر الإنسان نحو الخير و الفضيلة.
و على أية حال، نأمل أن تزهر الحركة الفلسفية و الفكرية و العلمية في بلادنا و في الوطن العربي لأنها أساس النهضة و جوهرها.
كاتب من تونس.
شارك رأيك