ربما ارتفعت بعض الأصوات لمطالبة الرئيس قيس سعيد بإعلان موقف الدولة التونسية و علاقتها بما يسمى مملكة أطلانتس الجديدة و مآل الملف المودع من طرفها لفتح مكتب لها بتونس و دعوة أجهزة الدولة للتحقيق في انتماء الشخصيات التونسية لهذا الهيكل المشبوه ولكننا لا نجد تفسيرا واحدا للصمت الرسمي الرهيب إزاء هذا الملف الفضيحة الذي كشفت عنه رئيس الحزب الدستوري الحر عبير موسي.
بقلم أحمد الحباسي
في السابق كان هناك ما يسمى بالخطوط الحمراء بالنسبة لمن يريد أو تدفعه الصدفة للكتابة في السياسة و كان هناك مقص الرقيب الذي لا يختلف على قاطع الطريق بحيث لا يترك المقال أو نص العمل الفني إلا بعد أن يبتره و يجعله منزوع الدسم و فاقدا للتأثير. و المؤطد أنكم لاحظتم معي أن الأمر مختلف بعض الشيء بعد ما سمى “بالثورة” بحيث يتجنب الإعلام بعض المواضيع و حتى إن تناولها فبكثير من الحيطة و الحذر و الخجل من باب مواجهة و رفع العتب و اللوم لا غير.
و من هذه المواضيع فلا أحد يريد النبش و التعمق في موضوع خطر تواجد ما يسمى ب “مقر يوسف القرضاوي” رغم أن هناك من تحدث أن تواجد هذا المقر قبالة إحدى الإدارات الأمنية الحساسة يدفع إلى الاعتقاد إلى وجود شبهات تنصت و بحث و رصد معلومات لفائدة دولة أجنبية يقيم فيها الشيخ المذكور الذي ترك الدنيا منذ فترة قصيرة بعد أن أدى “واجبه” دون تقصير في خدمة رعاية و نشر فكر الإرهاب.
نقط استفهام طثيرة
لا أحد يريد الحديث و النبش في ما يعرف بانتماء كثير من الوجوه السياسية و الإعلامية على وجه الخصوص و من بينها السيدة سوسن المبروك النائبة الثانية للسيد رئيس مجلس نواب الشعب إلى ما يسمى بمملكة أطلانتس وهي هيكل مشبوه يثير إسمها كثيرا من نقط الاستفهام، ليطرح السؤال التالي: لماذا لم تتحرك حكومة الأشباح بقيادة المشرفة على تسيير الأعمال السيدة نجلاء بودن لفتح بحث معمق سريع لكشف أسرار و خفايا هذه “المملكة” و ما أهدافها و كيف استطاعت استقطاب كل هذه المجموعة من الشخصيات و الرموز و هل يمثل ذلك خطرا على أمـن البلاد و هل يدخل ذلك في باب التخابر مع دولة أجنبية و هل تم تسريب وثائق تمس بالأمن القومي و هل هناك دول متآمرة تقف وراء هذا الكائن المسمى بمملكة أطلانتس ؟ الغريب في الأمر أن هناك إقرار من كل الشخصيات المتهمة بانتمائها لهذه المملكة بهذا الانتماء و مع ذلك يطبق الصمت المريب و لا أحد يريد الحديث عنه أو النبش في خفاياه الحقيقية حتى من أركان الدولة وهي المعني الأول بأي تهديد قد يأتي من هذا “الكيان” الغريب و الهجين.
يعلم الجميع ما هو القسم المطلوب بالنسبة لحامل الجنسية الفرنسية من التونسيين و مع ذلك صعد الكثيرون من هؤلاء المتجنسين إلى سدة الحكم بعد “الثورة” و بات هناك من يتحدث عن ارتكاب هؤلاء عدة خروقات بتفضيل مصالح دول الجنسية و التفريط في الثروات التونسية تحت غطاء مشبوه و بمساندة كثير من نواب مجلس الشعب المنحل و مع ذلك لا أحد يريد تسليط الأضواء على هذه الجرائم و لا مساءلة و معاقبة مرتكبيها.
الصمت الغريب للرئيس قيس سعيد
ربما ارتفعت بعض الأصوات لمطالبة الرئيس قيس سعيد بإعلان موقف الدولة التونسية و علاقتها بما يسمى مملكة أطلانتس و مآل الملف المودع من طرفها لفتح مكتب لها بتونس و دعوة أجهزة الدولة للتحقيق في انتماء الشخصيات التونسية لهذا الهيكل المشبوه و مطالبة رئيس مجلس النواب بكشف كل المعطيات و فتح ملف انتماء نائبته المشبوهة بهذه “الدولة” الوهمية درءا للخطر المحقق المتمثل في اختراق المؤسسة التشريعية لكن السيد الرئيس و مثله رئيس مجلس النواب واجها هذه المطالبات بمنتهى اللامبالاة في تصرف مريب يدفع إلى إلقاء كثير من الأسئلة.
في الحقيقة لم يعد السكوت ممكنا و لن نسكت لأن الوطن يبقى دائما فوق الأشخاص و لذلك نتساءل كيف يمكن لدولة تحترم نفسها و كيف لأجهزة الداخلية و القضاء بالذات أن تمرر عملية تشويه المشهد السياسي و القبول برموز ثبت انخراطها في مشاريع استعمارية دون كشفها و محاسبتها بل الأهم إبعادها من مواقع القرار؟
من الطبيعي أن هناك من أجهزة و أبواق الإعلام من يتستر على موضوع خطير كهذا لأن رصيدها البنكي سيتأثر سلبا في حالة كشف المستور و من الطبيعي أن يقف السيد رئيس مجلس النواب أو غيره من المسؤولين ضد المحاسبة بعد إن اختلط الولاء بين الولاء لسيد النعمة و الولاء للوطن و لعل صمت السيد رئيس مجلس النواب رغم كل الأدلة و البراهين يطرح أسئلة عديدة و يثير كثيرا من علامات الاستفهام بل لعل أحرج الأسئلة يتعلق بمدى “نظافة” كثير من المنتسبين إلى هذه المؤسسة الدستورية المشكوك في أمرها و التي باتت منذ “الثورة” على الأقل مصدر وجع و إحباط و نفور لدى عامة المواطنين.
هل سيتحرك السيد الرئيس أخيرا لقيادة حملة تنظيف و نظافة فعلية و هل ستقوم أجهزة القضاء و الداخلية بالذات بدورها الحيوي في استئصال هذه الأورام الخبيثة حتى لا تصبح الخيانة مجرد وجهة نظر.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك