” هامّ واقعةً و دلالةً لأنه يعبّر ،مع وقائع أخرى، على أزمة الحياة الحزبية في تونس و يؤكد أن الأزمة عند هؤلاء هي ابتداءً في نُكران الأزمة و أعني أزمتهم بل وتكرار أخطائهم بكل عنجهية.. فقد تعاطَوْا السّياسية ذات عَقد باستهتار و ظنّوا أنهم نهاية التاريخ و تناسَوْا أن للتاريخ مَكْرَهُ عقوبةً أو ابتلاءً…
أنا أعرف محمد القوماني منذ أيام التّلمَذة و الجامعة نَبِيهًا طموحًا بدفْء خُلُق لافِت .. ميّالا الى التحليل قبل النّقاش ،ميّالا للنقاش رغم التحليل..وأكثر ما كان يبحث عنه هي النجاعة و الجدوى للتيار الاسلامي حتى يتجاوز السذاجة و السُوسَ الذي قد ينخر غلّتَه ..كان يريد للمشروع الاسلامي أن يتواضع ولا يتكبّر وأن يميّز بين الحقيقة و الحقّ فهُما في الكون صِنْوَان ولكن في السياسة قد يفترقان..ولكنّي ألومُه في بعض المحطّات حين بحث عن قبول الاخرين بشروط الاخرين و تدرّج ولكن مع قرينة النزول لا الصّعود، من ذلك ما قاله عند اثارة موضوع الميراث ..و هذا بالضّبط ما تورّطت فيه حركة النهضة حين دعاها داعي الثورة فلبّت داعي الثورة المضادّة..فلا هي استفادت من سياق الثورة و ثمارها بذكاء و هدوء ولا هي تحصّنت بقوى الثورة المضادة التي هرْولت اليها..و هاهي قد تركتها مُتبرِّئةً شامتةً..على كل حال أعتبر انفكاك محمد القوماني من القيد الحزبي صحوة وأمرا متوقعا فالتكتلات الحزبية لا متّسع فيها للابداع الفكري وهي بطبعها تضيق بالمفكرين وتعتبر الانشاء الفكري ولا سيما ما كان من قبيل المراجعة او النقد الذاتي فضلا عن المحاسبة تمردا ولو مع تأجيل التنفيذ.. و قد تحرّرتُ من مثل هذا القيد و حَرسه عَسَسِه منذ أزيد من سبع سنوات بوجدان يعتمل فيه ما يعادل كُتبا ،فالتجارب الحزبية بتجاوزاتها و اغراقها في الخاص الأخصّ تسْحَق الفرصَ و تخلق نوعا من الصّنمية..حتى الأحزاب التي هي أشبه بالتيار أي واتاها السّياق التاريخي التهمت التيّار و استنزفَت طاقاته باحتكارها الحزبي بل و القيادي الموغل في الفردية و الشخصنة وذلك عوض ان توسّع من فرص التيار الحضارية و تستفيد من زخمه الطبيعي فأهمّ من الزرع الأرض التي احتضنَتْه وخصّبتْه لو كان الحزبيون يفقهون….ما أعجبني في استقالة الأخ القوماني تعفّفه عن النقد الانتقامي و التحلّي بفضيلة التحفّظ مؤقتا…والأهم في كلّ استقالةٍ هو حفز المشاريع الحزبية المسماة بالاسلامية على النقد الذاتي و تجاوزُ ما يشبه الصّنمية في القيادة فتزكية النّفس مرض طال أمده…
- رضا بالحاج
شارك رأيك