بعد احتضانها خلال السنوات القليلة الماضية قمة عالمية حول المناخ، ها هي العاصمة الفرنسية باريس تحتضن الخميس 22 و الجمعة 23 جوان 2023، قمة جديدة بحضور 300 رئيس دولة و رئيس حكومة و شخصيات معروفة بقصر برونيار الذي يحتضن حلقات النقاشات الست و التي يشرف عليها رئيسة صندوق النقد الدولي بحضور رؤساء دول و حكومات و ينشطها إعلاميون كبارا تحت شعار : “من أجل ميثاق مالي عالمي جديد”. (الصورة : لقاء قيس سعيد و كريستالينا جيوجيافا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي في قمة باريس).
بقلم ياسين فرحاتي
كد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمة الترحيب بالضيوف على أنه “علينا تحمل صدمة مالية إيجابية من أجل توفير ما يلزم من التمويلات لتحقيق التنمية”.
أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فقد قال في كلمة متلفزة له : “من الضروري تغيير النظام المالي الحالي و إعادة هيكلته” و خص بالذكر صندوق النقد الدولي و البنك الدولي مركزا في ذات السياق على “الدور الأساسي للهندسة المالية”.
من يتحمل مسؤولية الكوارث الكبرى في العالم ؟
و من بين الحضور في هذه القمة الرئيس التونسي قيس سعيد الذي قدم مداخلة جيدة جمع فيها بين الهزل و الجد و نقتطف منها ما يلي : “ليس بعملية و منطق الكبير و الصغير يمكن بناء شراكة حقيقية بين الشمال و الجنوب بل على على قاعدة الند للند و مبدأ السيادة الوطنية”. و قد عبر عن التساؤلات و الاستفسارات التالية : “هل يمكن أن نبني نظاما ماليا بنفس المقاييس و المعايير التي كانت سائدة بعد الحرب العالمية الثانية لأننا كنا تحت نير الاستعمار و لم نشارك في وضع نظام بروتين وودز؟ و هل يمكن أن ننطلق من جديد بناء على تصور صار بائدا و لم يعد صالحا لهذا الوقت. إنه علينا أن نفكر بطريقة مختلفة غير تلك الطريقة البالية التي كرست التفرقة و اللامساواة و البؤس و الفقر و الحرمان و الأرقام التي تم تقديمها خير دليل و شاهد على أن الوقت قد حان بالنسبة للإنسانية جمعاء بأن تفكر في الماضي و آلامه.” ثم أردف متسائلا : “لماذا أمل الحياة في إفريقيا لا يزيد على أربعة عقود فقط ؟ لماذا يموت الأطفال من الجوع و الحروب التي يتم إشعالها ؟” و واصل بالقول : “أريد أن أتحدث بصراحة حتى نبني من جديد. من يتحمل مسؤولية الإنتباه الحراري و انحبس الأمطار ؟ من الذي يتحمل وزر الجوائح التي عرفها العالم من الكوفي و تعرفون كيف يتم توزيع حقوق السحب الخاصة. نحن لا نتحمل أدنى مسؤولية في تلك الكوارث الصحية من جنون البقر إلى أنفلونزا الطيور”. و ختم مداخلته القيمة جدا بالقول : “لماذا لا تعود الأموال المنهوبة إلى شعوبنا؟” و قد أشار إلى تواطؤ الأنظمة الدكتاتورية و القمعية.
ضرورة تشكيل نظام دولي جديد
نحن نريد أن نكون شركاء فعليين و حقيقيين معكم لأن مشاكل و أزمات العالم لا يمكن حلها بدون قيم و مبادىء العدل و الإنصاف و الحرية وهي مثل عليا من أجل إرساء نظام عالمي جديد يساوي بين الإفريقي و الآسيوي و الأمريكي و الأوروبي لأننا كلنا من جنس واحد. كلنا آدميون. و هو خطاب يقرب أو يتماهى مع خطاب القمة العربية الأخيرة و الذي أشار فيه إلى الدور الذي يجب أن يلعبه العرب في تشكيل نظام دولي جديد.
و نختم هذه المقالة بإلقاء الضوء على دور الهندسة المالية في معالجة الأزمات من بحث علمي معنون: “دور الهندسة المالية في التحول نحو الاقتصاد الأخضر و تأمين التنمية المستدامة”، قامت بإعداده الدكتورة حوراء علي سيتي، منسق كلية الاقتصاد و إدارة الأعمال بالجامعة الإسلامية في صور بلبنان.
تأتي هذه الورقة البحثية لإبراز أهمية الهندسة المالية في تفعيل و تطوير سوق الأوراق المالية الخضراء باعتبارها مصدرا مهما من مصادر تمويل الاقتصاد الأخضر، حيث يعد تعدد و تنوع المنتجات المالية الخضراء أو البيئية بصفة عامة و المتداولة في السوق الأخضر ركيزة أساسية لتمويل الانتقال إلى هذا النموذج الاقتصادي الحديث، و هذا باعتراف الخبراء و المنظمات و الهيئات الدولية و الإقليمية المختصة في قضايا البيئة و التنمية المستدامة.
فبتنوع المنتجات المالية البيئية يتمكن المستثمرون على المدى الطويل، من المؤسسات المالية العامة، بنوك التنمية و صناديق الثروات الوطنية و صناديق التقاعد و التأمينات، من تقليل المخاطر المالية و البيئية، و في نفس الوقت زيادة عوائدها، و هو الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة حجم الإستثمار في الأسواق الخضراء.
الشعارات الرنانة و الخطابات البراقة و بعد ؟
و للتذكير فقد انطلقت مبادرات الاقتصاد الأخضر الصادرة برعاية الأمم المتحدة في سياق التنمية المستدامة تدعو إلى نموذج تنموي متجر. و من المبادىء الأساسية للاقتصاد الأخضر إعطاء وزن متساو للتنمية الاقتصادية و العدالة الإجتماعية و المستدامة البيئية. و من المعلوم أن تلبية الأهداف الثلاثة يوفر أساسا سليما لمعالجة نقائص الاقتصادات العالمية، من تخفيف الفقر و البطالة، إلى تحقيق أمن غذائي و مالي و طاقي، إلى توزيع أكثر عدالة للمداخيل. و يراعي الاقتصاد الأخضر الأبعاد البيئية و الاقتصادية و الاجتماعية في آن واحد.
قمة باريس كما قال ماكرون ستكون “قمة الحلول” و يجب أن تكون كذلك لأن البشرية سئمت من الشعارات الرنانة و الخطابات البراقة لزعماء الغرب المتقدم دون أن ترى ما تطمح إليه على أرض الواقع و ذلك بسبب العولمة المتوحشة و سياسة دول الشمال الإمبريالية التي تستغل ثروات دول الجنوب. لا بد من صحوة أخلاقية و تواضع للكبار و رد الأعتبار لحضارات دول الجنوب.
كاتب من تونس.
شارك رأيك