الحرية مطلب الشعوب الأبيّة المنتصرة لكرامتها و ليست تلك الشعوب التي لا تستحق مكانا في هذا الوجود. فمن اختار العبودية و الانخراط في قبيلة “béni-oui-oui ” – و ما أكثرهم في تونس – فله ذلك لكن دعوا الأحرار و شأنهم حتى و إن كانوا قلّة. فهذا لا يفسد للحرية زاوية…
بقلم ميلاد خالدي
تقول رئيسة الفلبين السابقة كورازون أكينو Corazón Aquino إنّ “حريّة التعبير- خاصّة حريّة الصحافة – تضمن مشاركة الشعب فى قرارات الحكومة و أفعالها و المشاركة الشعبية هى جوهر ديمقراطيتنا”. هذه المقولة لا تريد أن تسمعها الجحافل القطيعية لأّنّ في نظرهم من هو “حرّ” هو بالضرورة خائن أو مُترف أو متآمر. حريّة الصحافة هي فعلا جوهر الديمقراطية التي أصبحت تُسبّب الغثيان للكثير، ربّما يعتقدون أنّ الديكتاتورية تزيد في حجم الأرداف في المواسم الباردة.
عشنا مؤخّرا حملات من الاعتقالات الغبية و التهديدات بالسّجن التي طالت العديد من الصحافيين الأحرار على سبيل الذكر لا الحصر، هيثم المكي و منية العرفاوي و زياد الهاني… فقط لأنّهم قالوا إنّ الحليب أسود وإنّ ثمار الموسم لا تحمل نواة و إنّ الفجر شقيق الليل فلا تصدّقوه… الحريّة..حريّات، لا يدافع عنها الجميع، بل هي تلك الشجرة التي يزعجهم ظلّها. إمّا أن نقتلعها أو أن نرميها بالحجارة. دمتم يا أطفال الحجارة…
حريّة الصحافة في تونس..
كاذب من يدّعي أنّ المجتمع بأسره يطلب الحريّة ومنها حريّة الصحافة لأنّ هناك فئة لا بأس بها تعتقد اعتقاد العجائز أنّ الحريّات أفقرت جيوبهم لذا يحتاجون دكتاتورا يعرف معنى الجيوب المثقوبة وكيفية رتقها بالعصا و الجزرة، لكن وفي النهاية سيجدون فقط العِصّي دون الجزر.
الشعوب المُعوّقة و المعطوبة من الداخل هي التي يذهب في ظنّها أنّ الديمقراطية مجلبة للفقر و أنّ ما عشناه من حريّة يُحسب لحزب سياسي بعينه و هذا عين الغباء لأنّ ذلك الحزب سيّء الذكر استثمر و تاجر في تلك الحريات على حساب مطالب الشعب. لذلك فالديمقراطية ليست مزيّة أحد بل هي جاءت نتيجة تضحيات شهداء ثورة أو انتفاضة او حَراك سَمّه ما شئت لكن لا تستكثر على شعب كانت من بين مطالبه الحرية ضمن شعار الثورة “شغل، حرية، كرامة وطنية”. الحرية مطلب الشعوب الأبيّة المنتصرة لكرامتها و ليست تلك الشعوب التي لا تستحق مكانا في هذا الوجود. فمن اختار العبودية و الانخراط في قبيلة “béni-oui-oui ” فله ذلك لكن دعوا الأحرار و شأنهم حتى و إن كانوا قلّة. فهذا لا يفسد للحرية زاوية…
حريّة التعبير و الصحافة ليست ترفا و بذخا و إنّما هي صداع و “تكسير راس” و من اختار الصداع على الترف فقد اختار أن يُجنّب الأجيال القادمة المضاعفات و الأعراض و ما بطن من الأمراض…
الشجرة التي يزعجهم ظلّها…
تذكّرت قصّة ذلك الطفل، للأسف، الذي كلّما يرى نبتة حديثة العهد إلاّ ويهمّ باجتثاثها و يستمتع بفعل ذلك حيث لا يهنأ له بال حتى تصير جذور النبتة بين أنامله غير البريئة. مفاد القصّة هو أنّ حريّة الصحافة هي تلك الشجرة الجميلة التي نستظلّ بظلّها، لكن هناك من يستمتع باقتلاعها لتجده بعدئذ يعضّ شفتيه نادما متحسّرا… مع ذلك…. هناك في تونس من يطالب باجتثاث شجرة الحريّة لأنّها ضيّقت على حياته ومجال تحرّكه و جذورها تُهدّد صحّة بيته… إنّ الشخص الذي يسُبّ الأشجار هو بعينه الذي لا يغرس شجرة… لكنه يتفيّأ ظلالها… الكهل الذي يلعن الأشجار هو نفسه ذلك الطفل الذي يقتلع النباتات و هو عائد من المدرسة… اللعنة على أطفال المدارس.
شجرة السنديان هي أكثر الأشجار ظليّة حتى أنّه يُطلق عليها شجرة الظلّ، لا لأنّها تحجب نور الشمس بل هي الملجأ الوحيد للأمان حين يهرب الجميع … إنّها الشجرة التي يتمّ رميها بالحجارة لأنّها أعلى من الشعب وأعمق من الدولة و أطول من السلطة.
حريّة التعبير هي ديدن الشعوب الحالمة و الناجزة. هي رافد الإعلام والصحافة الحُرّة و من لا رافد له يتشظّى في منتصف الطريق، ومن تكثر شضاياه يصعب عليه لملمة الأمر… حتى و إن اجتثّ جميع الأشجار.
كاتب تونسي.
شارك رأيك