الكراهية والعنصرية مترادفان… واليوم – في تونس وبصفة خاصّة في صفاقس – يخاصم أفريقيون دون سَبَبٍ أفارقة… تونسيون أفارقة من شمال الصحراء ضِدَّ أفارقة من جنوب الصحراء… يتَرَبَّصُون بهم… يريدون أنْ يخِيفُوهم فَيتنَمَّرون. كيف ! غَرِيبٌ وَعَجِيبٌ ! أمر مدْهِش ! كيف لا تتَوَجَّعَون لأوجاعهم… كيف لا تتألمون لآلامهم … ألسنا أفارقة مثلهم؟ اليسوا بشرا مثلنا؟ ألا ننتمي إلى نفس القارة … إلى نفس الأم… إلى الإنسانية؟
يقلم فتحي الهمامي
مُحْتَار اسأل هؤلاء : أين تقع تونس؟ والإجابة الكل يعلمها ولكن قصيرو النظر لا يدركوا معناها : الجغرافيا وضعت تونس في أفريقيا. نحن قطعة منها، جزء منها، تونس غير منفصلة عنها، مثل العضو في جسد الإنسان… بل أكثر… عضو لا يمكن بتره… هذا المصير لا فكاك منه ولو غيرنا جلدتنا، ولو قَطْعنا الطُّرُق، ولو أقمنا المتاريس، ولو اِنْعَزَلنا… ولو… ولو…
هذا ما قالته الجغرافيا حتى التاريخ أطلق أحكامه من زمان وقرر : مصير تونس من مصير أفريقيا… وكذلك العكس… والتاريخ ما كذبت أخباره. “سقيبيون الأكبر” وبعد انتصاره على حنبعل منحته روما لقب الأفريقي (Africanus)، وما اظن ذلك إلا تعبيرا عن الحب لإفريقيا، والتعظيم والإجلال لحنبعل الأفريقي… وبالمثل لما ضمت روما أراضي قرطاج إليها سمتها “المقاطعة الأفريقية” (Provincia Africa) وما سمتها رومانية… فكيف لها ان تنزع عنها أفريقيتها وهي الجزء من الكل؟ والعرب نفسها أطلقت إسم إفريقية على تونس، وألحت في التسمية… ثم كُنّيت باجة القمح بإفريقيّة لوفرة السنابل في أرضها.
أفريقيا في جيناتنا
هم لا يدركون ان أفريقيا في روحنا ما تبارحها… وفي جينات شخصيتنا… عشقها فناننا الجميل علي الرياحي عَبِّر عن حُبّه لها في أغنيته “حبيبتي زنجية سمراء إفريقية”… هم لا يعلمون ان سعد الشوشان يسكن فؤادهم كما موسيقى الزنوج ألحانها وإيقاعاتها… زنوج الدنيا لهم الجاز والبلوز والريغي، وصولاً إلى الغناوة في المغرب، ونحن لنا السطمبالي نباهي به ونرقص على أنغامه.
اليوم أفارقة جنوب الصحراء صار البعض يرى في وجودهم تهديدا. ينشر مستنكرا صور تنعمهم بماء نافورة باب الجبلي. يشير متبرما إلى تحركهم مشيا على الأرجل من منطقة إلى أخرى. يعلق مُتضجِّرا على وجودهم في سوق باب الجبلي بصفاقس لكسب الرزق. فالخصاصة تدمرهم والفقر يهتكهم… ويحمل عليهم يتهمهم زورا بالتورط في مشاكل البلاد، وزيفا بالمجون إذ “قامت الدنيا وشاشت النعامة” على نوعية لباس أفراد منهم.
هي روائح بغضاء تغلب على الإِخاء… مشاعر كُرْه تنتشر في اجواء صفاقس الملوثة أصلا فتزيدها تلوثا… ومقابل ذلك لا تفعل النفوس الأَبِيَّة الكثير لتَقْليل من ذيوعها، غير ان تَشْمَئِزّ منها وتنفر… ولولا تبصُّر رئيس الدولة، الذي بَدَّل فظاظة الأمس لُطفا….والجفاء وِصالا … باحتضانه لأفارقة في باب الجبلي صفاقس… ولولا موقف جامعة صفاقس، وبالمثل “لابراس” المُتبرِّئ من شِلّة أشخاص قالوا انهم جامعيين، ومن رسالة وجهوها إلى الرئاسة بثوا فيها سموم كراهيتهم للأفارقة… لتَزَايَدَ هبوب رياح البُغْض ولاكتسح الحِقْد الأنفس والضمائر.
جامعيون عنصريون
هذه القِلَّة من الجامعيين كان عليها – بالتالي – ان تقول ان العنصرية يجب معالجة اشخاص منها، لكونها داء خبيث، وان الآخر المغاير في اللون إنسان له كرامة وحقوق مثلنا… وان الإنسان -بصفة عامة- فُطِرَ على الحركية Mobilité ، ويحب الحركة… فالسكون مساو للموت… وصفاقس نفسها وبالمثل البلاد التونسية ديموغرافيا تشكيلة من سكان مهاجرين وفدوا عليها عبر حقب تاريخية مختلفة… ومن بقاع مختلفة…
ولكن لا يزال موقف هؤلاء الأفراد مهتزا فينساقوا إلى “خُرَافَاتِ أَمْسِنَا وَتُرَّهَاتِ يَوْمِنَا” ( ميخائيل نعيمة). يظهرون مكبلين بأفكار تقليدية، مشدودين إليها بألف خيط، وغارقين في بحر أزمة قيمية، يتشكل في بطنها تصرفهم وتفكيرهم… فإذا كنا نلتمس بعض العذر لجزء من جمهور الفايسبوك وانقياده وراء اندفاع عواطفه، فإن لا عذر لمن يقدم نفسه جامعي وينساق مع الريح فكأنهم ما درسوا يوما في مدرسة الجمهورية… “إسال على صاحبك استغناش، أما الطبيعة هي هيا”.
إلام هذه الكراهية للمُلَوَّنين؟ لا موقف لنا دولة ومجتمعا مدنيا غير مُقاوَمَتها، علينا ان نظهر محبة الخير لهم، ان نتكدَّر لما يحصل لهم من ألم، ان نكرم وفادتهم، ان نحرص على وقايتهم من غدر الزمان ومن أنفسهم… إلا أن يقرروا مصيرهم بأيديهم. فهم مَجْنيّ عليهم، ضحايا لمنظومة غير عادلة، وتونس دار صغيرة مَجْنيّ عليها كذلك. إلا ان اخواننا الأفارقة يرونها دار كبيرة فيقصدونها… و “إذا تقصد أقصد دار كبيرة إذا ما تتعشى تبات في الدفاء”.
عضو الهيئة المديرة الأسبق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
شارك رأيك