في الليلة الظلماء يفتقد البدر، هذا القول الشهير لأكثر من شاعر و كاتب مقال ربما نجده منذ فترة على كل لسان في تونس. كذلك هناك سؤال متواتر بكثرة يقول تارة في شكل احتجاج و تارة في شكل انزعاج كما هو حاصل منذ فترة بسبب فقدان المواد الأساسية و تارة في شكل تهكم و سخرية من الأداء السيء لحكومة نجلاء بودن : و لكن أين الرئيس قيس سعيد في كل هذا؟
بقلم أحمد الحباسي
لقد بدا واضحا و بعد مرور كل هذه السنوات من الفشل أن الرئيس لا يملك رؤية منطقية مركزة على معطيات اقتصادية و اجتماعية و سياسية صحيحة بل أن مجرد ما يختزنه عقل سيادته هي مجرد رؤوس أقلام معززة بكثير من الكلام الفارغ المكرر يضاف إليه مزيج من عبارات التهديد و الصراخ في الخلاء المقفر.
لا أحد صار يفهم الرئيس أو يؤمن برؤيته و لا أحد بات مقتنعا أن وراء كل هذه الشطحات الرئاسية و الخبط العشوائي في المجهول أن الحل قادم و لو بعد مئات السنين.
مافيا التهريب و دولة الاحتكار في أفريقستان
من الواضح أن الرئيس لا يملك قوة الفعل أو رد الفعل كما أنه من الواضح أن سيادته يريد الإيحاء بكونه متيقظ و عالم بما يحدث و مطلع على خفايا دواليب الدولة و أنه ماسك لمقاليد السلطة بيد من حديد و بإرادة صلبة ثاقبة لكن الواقع المعيشي يكذب كل هذه الانطباعات و يؤكد أن هناك دولة أسمها “أفريقستان” بسطت سلطتها و وجودها و قوتها و إرادتها و أن هناك دولة اسمها “مافيا التهريب” قد عاثت في الاقتصاد فساد بتواطؤ لم يعد خافيا من كثير من أجهزة ما بقي من الدولة كما أن هناك دولة إسمها “دولة الاحتكار” قد باتت مهيمنة بثقلها على مصير قوت المواطن الذي تعمدت الدولة بسياستها السخيفة المضحكة تركه فريسة لجشع هؤلاء المرتزقة.
سيادة الرئيس مجرد شاهد ما شافش حاجة غير قادر إطلاقا على تغيير واقع التونسيين و هذا الانطباع قد أصبح حقيقة مؤكدة بعد أن شاهدنا كيفية ردات فعل الرئيس التي باتت محل تندر لأنه و بقدر ما اشتدت الأزمات لم نر منه إلا الخطب الرنانة أو الغياب عن الساحة من باب تقطيع الوقت.
لا ندري لماذا يتحول السيد الرئيس إلى مقر وزارة الداخلية و لماذا يصر على إطلاق الخطب من هناك كما لا ندري ما الذي استفادته القيادات الأمنية التي تعاني من مشاكل على كل المستويات و تواجه إشكالات متعددة من التحديات و المخاطر الأمنية من خطب سيادته و تطاير الشرر منها؟
هل اختار الرئيس كغيره من الحكام العرب معالجة كل أوضاع البلد بمجرد القبضة الأمنية و هل يضمن الرئيس أن لا تحدث كوارث نتيجة الزج بالأعوان و إنهاكهم في كل الأزمات التي كان بالإمكان معالجتها لو كانت هناك حكومة فاعلة على المستوى الاقتصادي؟
ما الذي استفادته أجيال العاطلين عن العمل من خطب السيد الرئيس و كيف سيتحقق شعار الثورة “حرية، شغل، كرامة “؟
كيف يصرّ الرئيس على بقاء حكومة من أصحاب الشهادات العليا ثبت بالتجربة أنهم يعانون من أمية سياسية مخجلة جعلتهم غير قادرين على تسيير وزارتهم و تقديم مردود يليق بمركزهم؟
هل بلغ الخوف أو الشك بالرئيس حدّا جعله يتمسك بهذه السيدة “النفس المومنة” لقيادة مرحلة صعبة خوفا من تعيين أشخاص يذكرون بالسيدين هشام المشيشي و إلياس الفخفاخ ؟
من أخطاء السيد الرئيس الكبرى نظرا لما تمرّ به البلاد من صعوبات و نكبات أنه وضع في المواقع الحسّاسة رجالا لا يتمتعون بالمؤهلات اللازمة لمعالجة مثل هذه الصعوبات الجسيمة فهل يريد سيادته أن يبقى ستين عاما أخرى ليكتشف أنه على خطأ و من دعوه إلى تغيير رؤيته الفاشلة أنهم على صواب ؟
خطب مكررة مملة و حلول غائبة
لن ينجح سيادة الرئيس مهما التجأ إلى خطب مكررة مملة و حتى محاولات تغطية فشله بإيقافات شكلية لبعض رموز الإرهاب و الفساد مثل السيد راشد الغنوشي و من والاه بالرضاعة و التبني و طمع السياسة مثل السيد نجيب الشابي فهي حيل فاشلة كشفها الجميع.
الصور التي تناقلها الإعلام العالمي لما حدث منذ يومين بمدينة صفاقس من احتلال كثير من النازحين الأفارقة للمدينة و العبث بأمنها و استقرارها و مكاسبها و خروج الأمور على السيطرة و فقدان السيد وزير الداخلية للرؤية الثاقبة حول كيفية التعاطي مع مثل هذه الأزمات يؤكد أن الرئيس قد وقع مرة أخرى في خطأ في الكاستينغ بعد إزاحته للوزير السابق الذي خرج ملاحقا بكثير من التسريبات و الإشاعات.
تونس مريضة و عليلة و منهكة و سامها كل طامع و خائن و مفلس و لكن الرئيس لا يزال رافضا لهذا التوصيف معتبرا أن تونس تتمارض و تتوهم المرض و رغم أن هناك أصوات وطنية تنادى بالتفكير العميق في القيام بإصلاحات جذرية على كل المستويات و ترميم علاقات مؤسسة الرئاسة مع كل القوى الحيّة التي لا تزال تنادي بالحوار و بالحق في الاختلاف و فتح النوافذ أمام كل المبادرات المنطقية فإن السيد الرئيس يرفض قطعيا اعتماد تشخيص دقيق للمرض و لا يزال يتحفنا بحديث عن “تبر في التراب” و هو الوصف الذي أطلقه على ثروة الفسفاط أثناء كلمته في اجتماع مجلس الأمن القومي يوم 26 أفريل 2023 متجاهلا أصل المشاكل المتشعبة التي تتعلق بهذا الملف و التي حالت دون حلّه منذ الثورة رغم تعاقب الحكومات.
ربما يعتمد الرئيس على المثل القائل “الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة”. لذلك أطلق كثيرا من النوايا و منها ما يتعلق بالمنظمات الأهلية أو بالصلح الجزائي و لكن فشل هذه المبادرات يؤكد أن الشعب لا يأكل من هذه الخرافات و أن معالجة أوضاعه لن يكون برؤوس الأقلام و بعض العناوين التي لا يمكن أن تكون حتى مادة للإنشاء.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك