في هذه الموجة من الحرارة غير المسبوقة، يبدو أن تونس التي كانت مهد الربيع العربي قد تحولت إلى جحيم بالنسبة لأفارقة جنوب الصحراء وكذلك بالنسبة للتونسيين الذين ضاقت بهم السبل و أصبحوا يبحثون عن وجهة جديدة وفرصة ثانية.
بقلم إلياس القصري
إن التخوفات التي أبداها الكثيرون أمام الضغوطات المتسارعة التي مارسها اليمين المتطرف الأوروبي بزعامة جورجيا ميلوني و أورسولا فون در لين على تونس، هذه التخوفات التي حذرت من تحويل تونس إلى معسكر اعتقال للمهاجرين من أفارقة جنوب الصحراء على غرار معسكر Auschwitz، المعروف بأفرانه الحارقة للجثث وكل الجرائم التي ارتكبت فيه ضد الإنسانية، يبدو أن هذه التخوفات لها ما يؤيًدها ولم يكن مبالغا فيه كما ذهب الى ذلك البعض.
فإلى جانب حملات الصيد التي خضع لها ذوي البشرة السمراء والتي مارسها بعض الغيورين على “الطهارة العرقية للشعب التونسي”، وقع حجز جماعات من أفارقة جنوب الصحراء بعد ترحيلهم قسرا داخل الحدود الليبية أثناء هذه الموجة من الحرارة التي لم تعرفها البلاد من قبل حتى كأنهم قد وضعوا في فرن طبيعي حارق للأجساد.
القرارات المتخبطة
والأغرب من ذلك ان السلطات الليبية في طرابلس والتي كانت عاجزة أو ربما متواطئة لمدة مع عمليات الإتجار بالبشر ومع ممارسات مشينة هي أقرب للعبودية منها إلى الإنسانية تقودها ميليشيات مسلحة، أصبحت هذه السلطة اليوم تقدم لنا دروسا عن حقوق الإنسان و تتشدق بلعب دور المنقذ لأفارقة جنوب الصحراء وتقول بأن السلطات التونسية قد ألقت بهم دون أدنى رحمة أو شفقة في هذه الدرجات من الحرارة وتحت اشعة الشمس الحارقة.
تجدر الملاحظة الى أن سلسلة القرارات المتخبطة اصبحت متلاحقة ومتسارعة اما عن صورة تونس في العالم فهي في سقوط سحيق يوما بعد يوم. لا تكاد تبلغ القاع حتى تجد نفسها في قاع القاع.
ان الوثيقة التي وقع تسميتها ب”مذكرة التفاهم من أجل شراكة استراتيجية وشاملة” بين تونس والإتحاد الأوروبي، والتي وقع توقيعها بقصر قرطاج يوم الأحد 16 جويلية أدخلت تونس في ديناميكية مُضِرة سواء كان ذلك بالنسبة للقارة الإفريقية التي ستنظر إلى تونس على أنها حارس حدود أوروبا وسجانها، كذلك أصبحت وضعية تونس سيئة بالنسبة لجيرانها في شمال إفريقيا الذين لا ينظرون بعين الرضا الى هذه السابقة التونسية المفروضة والمنفذة لسياسة الكراهية والحقد الصادرة عن اليمين المتطرف الأوروبي إزاء الأجانب في المنطقة.
بلد غير مضياف ومعادٍ للأجانب
لا ينبغي كذلك أن ننسى أن أكبر المتضررين من هذه الاتفاقية هم المليوني تونسي المقيمين في الخارج والذين سيتحملون اعتداءات اليمين المتطرف الأوروبي الناشط إلى جانب الوصم الذي سيلحقهم باعتبارهم أصبحوا ينتمون الى بلد غير مضياف ومعادٍ للأجانب إلى درجة قبول الشراكة والتحالف مع الأحفاد السياسيين والبيولوجيين للفاشية والنازية.
في هذه الموجة من الحرارة غير المسبوقة، يبدو أن تونس التي كانت مهد الربيع العربي قد تحولت إلى جحيم بالنسبة لأفارقة جنوب الصحراء وكذلك بالنسبة للتونسيين الذين ضاقت بهم السبل و أصبحوا يبحثون عن وجهة جديدة وفرصة ثانية.
سفير سابق.
شارك رأيك