لو تصرفت الدولة منذ 15 جانفي 2011 بنفس الحزم الذي تصرفت به مؤخرا مع جامعة التعليم الأساسي التي اضطرت – أمام حزم المسؤولين و إصرارهم على تطبيقهم للقانون – إلى إعادة أعداد التلاميذ بعد طول تصعيد و مساومة، لما وصلنا إلى كل هذه الصعوبات التي نعيشها اليوم في تونس على مستوى التسيب و ارتفاع كتلة الأجور.
بقلم محمد صالح حمايدي
الصعوبات المالية الجمة التي تعيشها تونس اليوم تعود إلى إدماج كل المشتغلين عند شركات المناولة في الوظيفة العمومية و القطاع العمومي، و تمتيع كل المنتفعين بالعفو العام (بمن في ذلك الذين رفعوا السلاح ضد الدولة) و الملطخة أياديهم بدماء ضحايا الإرهاب و تمكينهم من كل الترقيات في المسار المهني الذي لم يُنجزوه، و تمكينهم من التعويضات المالية المرتفعة، مما انعكس أيضا على الخدمات الإدارية بالرداءة و تدني الإنتاجية.
و لَمَا تعطل العمل و الإنتاج، بسبب الإضرابات و الاعتصامات، خاصة في مواقع الإنتاج الاستراتيجية مثل إنتاج الفسفاط و غسله و نقله نحو موانئ التصدير، و مصادر الطاقة بأنواعها.
انخرام توازن المالية العمومية
و لما انخرم توازن المالية العمومية الذي أثر سلبا على المجهود الاستثماري للدولة و تسبب في لجوئها المفرط للاقتراض من الداخل و من الخارج، لا للتنمية بل لتغطية الأجور و المصاريف العامة للدولة، إلى أن وصل بها الأمر إلى تخفيض تصنيفها الائتماني السيادي إلى الحد الذي لم يعد يسمح لها بالاقتراض من السوق المالية العالمية، بل و حتى من صندوق النقد الدولي و من الدول الشقيقة و الصديقة.
شكرا لوزير التربية على وقفته الحازمة و إنفاذ القانون أمام تعنت و ابتزاز جامعة التعليم الأساسي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل. و المطلوب اليوم فصاعدا، هو تعامل كل هياكل الدولة من وزارات و غيرها، بنفس الطريقة التي تعامل بها وزير التربية والتي تستند للقانون كلما تعطل الحوار بتعنت الجانب النقابي و جنوحه إلى الابتزاز و لي الذراع باستعمال دروع بشرية و هم التلاميذ و أولياؤهم، مثلما يستعمل قطاع النقل المسافرين، خاصة ليلة انعقاد المؤتمرات و القمم الدولية في تونس، أو بمناسبة العطل و العودة منها؛ أو قطاع نقل المحروقات لتجفيف محطات البنزين و إجبار أصحاب السيارات على عدم الالتحاق بمراكز عملهم، في بلد لا يتوفر فيه النقل العمومي بالقدر و بالجودة الكافيين… هذه هي الخطوة الأولى التي يجب أن نقطعها على درب الإصلاح لنُخرج البلاد من المستنقع الذي تردت فيه قيميا و ماليا و اقتصاديا و بيئيا…
الانتهاء مع منطق الغنيمة
منذ اليوم الأول بعد سقوط النظام القائم في 14 جانفي 2011 و دخولها تحت حكم الأيادي المرتعشة لمدة سنة كاملة، قبل أن تُنَظَّمَ فيها انتخابات لمجلس تأسيسي صَعَّدت الإسلاميين الظلاميين بفروعهم الإخوانية و السلفية و التكفيرية الجهادية المبيضة للإرهاب إلى سدة حكم البلاد بمنطق الغنيمة، فأتوا على الأخضر و اليابس لمدة عشرية كاملة كان همهم الوحيد فيها، الاستثراء على حساب بقية الشعب و أسلمته بالرجوع به إلى الثقافة و الممارسات القروسطية شديدة التخلف الفكري و الحضاري و التشريعي و الاقتصادي، في انفصام تام مع ما وصلت إليه الدول و الشعوب الرائدة في التقدم، مع حلول القرن الحادي و العشرين.
مختص في تشريع و تنظيم تعديل البورصات و الأسواق المالية.
شارك رأيك