القاضي المعزول حمادي الرحماني يكتب: قضاء الرئيس، “قضاء الواحد الأحد”

الإيقاف العاجل أقرب من “القريب العاجل”: حركة المجلس محجوزة” في انتظار حركة الوزيرة”!

مؤشرات إضافية تظهر لتؤكد نوايا المماطلة في إصدار الحركة القضائية ٱخرها إقدام وزيرة العدل اليوم وفي خطوة جديدة صادمة على إيقاف قاضي التحقيق الذي أنهى مؤخرا أبحاثه في قضية “أنستالينقو” عن العمل استنادا على الأرجح على القانون الأساسي البائد للقضاة لسنة 1967

لم تنتظر وزيرة العدل الحركة القضائية التي ستصدر “في القريب العاجل” – كما قال الرئيس – لتعرف مصير قاضي التحقيق وغيره ممن تهمّها مصائرهم نقلة أو تثبيتا وتوفر على نفسها عناء القرار والعقاب…لكنها تستعجل “العقاب” وتثبيت موقف إدانة غامض ومستغرب وسابق لأوانه التفافا على الحركة القضائية القادمة…مستفيدة من التراخي المدروس في إصدارها والتراجح الواضح عن الأفراج السريع عنها بما يسمح لها بالتحكم في النقل والترقيات وتجريف الخطط القضائية بإرادة فوقية منفردة حتى إذا جاء المجلس المؤقت للقضاء لم يجد شيئا ووجد المواقع شُغلت والشغورات سُددت والاختصاصات سُلبت على مرأى ممن ركٌزه ونصٌبه وسمٌى جميع أعضائه وألزمه على الاشتغال في فلكه ووفق توجيهاته دون تردد…ويكتفي حينئذ بالمصادقة على قرارات تنفيذية وإضفاء الشرعية عليها…

لم يعد ممكنا إحصاء وحصر كل الخروقات القانونية والإجرائية التي تنطوي عليها مثل هذه القرارات من خرق للدستور ومخالفة للقوانين وغصب للاختصاص واعتداء على الأعراف القضائية وانتهاك لحقوق الدفاع للقاضي…لكن أخطر الانتهاكات هو الضغط المسلط على الجهة القضائية التي ستتعهد بالقضية (الدائرة الجنائية) والتي ستجد نفسها أمام قرار ختم بحث رسمي يتضمن – ولو بعد تعديله ونقضه جزئيا – تقريبا كل الوقائع المثبٌتة وأبحاث القضية وأغلب الاستخلاصات… لكن قاضي التحقيق الذي أصدره تمت معاقبته على عجل وإيقافه عن العمل لافتراض ارتكابه حملة من الخروقات الجسيمة التي لم يثبتها قرار تأديبي أو جزائي! فأي مصير لتلك الأبحاث؟ وأي موقف لقضاة الدائرة الجنائية وغيرهم؟ هل يحتكمون في قضائهم وبتهم في نصائر المتهمين للقانون ولضمائرهم ولملف القضية وللأبحاث المنجزة مع ما قد يترتب عن ذلك من كُلفة ونتائج وخيمة عليهم، أم يأخذوا العبرة مما وقع لزميلهم ويتلقفون الرسالة من عقابه ويوجهون الملف الوجهة التي ارتأتها وزيرة العدل لتغدو هي الحاكم الفعلي في الملف على حساب القانون والحقيقة وحريات الناس؟

هذه عينة واحدة لملف واحد لقاضي واحد من نتائج تأجيل صدور الحركة القضائية في موعدها…فلنتخيل تداعياتها في خصوص مئات القضاة ومئات الملفات حين تقرر السلطة التنفيذية حشر أنفها في بعضها أو في الكثير منها…

الرئيس “يملك كل شيء في القضاء، يملك مراسيمه الماضية ومراسيمه القادمة، “يملك” المجلس المؤقت للقضاء، يملك وزارة العدل، “يملك” القوة الصلبة، و”يملك” القوة الباطشة، و”يملك” الخطاب الرسمي الموجه للناس، و”يملك” الرائد الرسمي…وكل ذلك يخوله فعل ما يشاء في القضاء والقضاة دون حاجة للمناورات و”المونتاجات” ودون أن يخشى أية مقاومة جدية أو إثناء عن قراراته…فلماذا إذن هذا التأجيل، وهذه الضبابية، وهذا التردد، وهذا التناقض، وهذه السيناريوهات المكررة، وهذا التوزيع المكشوف للأدوار بين وزارة العدل والرئاسة والمجلس المؤقت للقضاء؟

ثمّ متى “القريب العاجل”؟

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.