ماذا يقصد السيد الرئيس قيس سعيد بتسليط هجومه على “الزمن الجميل” و وصفه بالزمن القبيح؟ و أي نتيجة يرجو من “مرمدة” مديرة التلفزة الوطنية عواطف الدالي في مشهد غير مسبوق حتى في أكثر الأنظمة تخلفا في العالم.
بقلم أحمد الحباسي
صدم التونسيون و هم يشاهدون رئيس الدولة “يمرمد” مديرة التلفزة الوطنية و يمسح بكرامتها الأرض في مشهد غير مسبوق حتى في تاريخ أعتى الديكتاتوريات و في أكثر الأنظمة تخلفا في العالم. لم يخجل السيد الرئيس من وصفه زمن نجيب الخطاب و زمن المسرحيات و الإبداعات التي قدمها رجال بررة بإمكانيات شبه معدومة بزمن القبح و لم يتورع سيادته عن توجيه و توزيع الاتهامات إياها و المنسوبة للمجهول كالعادة و لم يفق فخامته إلا بعد أن كسى “عرق الغلبة” وجه ضيفته التي بقيت فاغرة الفاه كأن هناك من دفعها من الطابق الأعلى لبناية التلفزيون.
توجيه الاتهامات بلا دليل و دون إسناد
مرة أخرى يسقط السيد الرئيس في خانة الخطاب الفارغ و الأدبيات و الشعارات البائسة و يستغل سلطته الأدبية لتوجيه الانتقاد بلغة عنيفة جدا و بمنطق غير مقبول لأن توزيع الاتهامات دون دليل معلن و ملموس هو خطأ إتصالى و هفوة قانونية تمس من هيبة مركز السلطة و إيهام بجريمة غير موجودة.
مشكلة السيد الرئيس أنه يعشق توجيه الاتهامات بلا دليل و دون إسناد و هو بذلك يؤسس لثقافة جديدة هي ثقافة الهدم و العزل و الاجتثاث و هو لا يجيد غيرها لأنه لا يراجع فريقه الإعلامي و لا يتلقى نصائح خبراء فريق الاتصال و هو يرى نفسه فوق الدروس و الخبرات.
السيد الرئيس لا يفكر إلا في الطرق التي تجعله يتفرّد بالحكم دون من حوله حتى من أقرب مستشاريه و على كل حال فالواضح أنه لم يتعظ أبدا من أخطاء و من تجارب من سبقوه.
السيد الرئيس لا يريد و لا يبحث مطلقا (و ربما كمن سبقوه في حكم تونس) عن الحقيقة، حقيقة وضع التونسيين، لذلك يختار عن قصد بعض الموظفين مثل السيدة نجلاء بودن و السيد أحمد الحشاني لأنه لا يبتغى منهم إلا الطاعة و الصمت و انعدام الإرادة حتى لا يتعكر مزاجه حين يعلم ما يقاسيه الشعب فعلا بسبب فشل سياسة الرئيس و من والاهم لقضاء أموره فتحولوا إلى دمى يحرك خيوطها سيادته.
بطبيعة الحال لا يمكن للسيد الرئيس أن يعي أو يفهم معنى أن تعجز حكومة بأكملها عن توفير كلغ سميد لكل مواطن و أن هذا الفشل كان يؤدى لاستقالة حكومات في الغرب.
تونس وراء الوراء و في قاع القاع
ماذا يقصد السيد الرئيس بتسليط هجومه على “الزمن الجميل” و وصفه بالزمن القبيح؟
طيب لن ننتظر جوابا مقنعا و واضحا و قد تعودنا على التنسيب للمجهول و على عبارات مثل “لن نعود إلى الوراء” كأنما تونس موجودة في مقدمة الصفوف و ليست وراء الوراء ذاته و في قاع القاع و لكن من حقنا أن نسأل سيادته بكل لطف هل نحن نعيش في عهده في “الزمن الجميل” و هل أنه يظن أنه من هنا إلى نهاية عهده و ربما بعدها بسنوات سيعيش هذا الشعب زمنا جميلا؟ أي نعم لم يكن زمنا جميلا في المطلق و لكن على الأقل لم يكن زمنا أسودا كما نعيشه فى عهدكم “السعيد”، كان للمواطن مستقبل و وطن و دولة و نظام يحميه و كان هناك وفرة في كل شيء و كان هناك من يقدر تونس و من لا يتجرأ عليها، في عهدكم فقدنا كل شيء و من يعيشون على بقايا الزبالة و من ماتوا في البحر أو في المستنقع السوري شهادات على أننا نعيش عصرا حالك السواد لن تبيّضه أطنان قصادير الدهن.
فى عهدكم شاهدنا الصفوف من أجل كلغ سميد و دبوزة زيت و رطل سكر و حارة عظم، في عهدكم لم نر إنجازا وحيدا لحكومة فاشلة انتهيتم إلى وضعها على الرف و لا ندرى على ماذا وزعتم ذلك الكم من عبارات التهاني و الأخذ بالخاطر، لقد تجاهلتم عيد الاستقلال و عيد الجمهورية و تجاهلتم أن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة هو أهم بناة هذا الوطن و من كوّن “الأمة التونسية” و إذا ظهر لكم أن انجازات الزعيم هيّنة و غير جديرة بالإنصاف و التقدير فلماذا لا تتفضلوا بكشف ما تحقق في عهدكم أم أن اللسان ليس فيه عظم كما يقال و من السهل انتهاك حرمة الموتى؟
اليوم لم يبق لكم من وقت إلا لإهداره في مثل تلك المقابلة الخائبة مع مديرة التلفزيون فهل بلغ الجحود بكم يا سيادة الرئيس أن تنتهكوا حرمة المبدعين و مؤسسي التلفزيون التونسي؟
نعم هناك غث و سمين في كل الأعمال التي أنتجها التلفزيون التونسي و لكن مقارنة بفشلكم في إدارة شؤون البلاد نكتفي بالصمت لأنه ليس من عادتنا إطلاق النار على سيارات الإسعاف.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك