في هذا النص التالي الذي عنونه “من متاهات الأدب و التاريخ” يروي الشاعر التونسي المقيم في فرنسا ذكريات زيارة قام بها إلى مخيم بلاطة في نابلس في فلسطين المحتلة سنة 2009 حيث عاين و عاش مرارة الاحتلال و قهره و كذلك “حفاوة و براءة و عنفوان الفن” الذي يتحدى غطرسة الإستيطان.
بقلم الطاهر البكري
كيف لك ان تتصوّر ان 26000 فلسطيني يعيشون في مخيم على أرضهم منذ 1948 ؟
أزقة و بنايات هشة للاجئين و بعض من الخضر في الشارع الصغير والراجلون يبعون ما كتب، مستوصف كأنك في قرية نائية لا شيء فيه. العملة اسرائلية و العمال فلسطينون يشتغلون لبناء مستعمرات اسرائيلة…
تفقد توازنك و تحزن حيث لا يفيد الحزن… يرافقك الشاعر طارق الكرمي و لم يزر أقاربه منذ عشر سنوات. تساندك الدبلوماسية الفرنسية الشابة و أنت من موجة إلى موجة يعمك بحر التاريخ و تغرق.
تقول لك “تعال نزور فرقة الموسيقى للأطفال في المخيم”… حفاوة و براءة و عنفوان الفن يتحدى الغطرسة و الإستيطان، بيانو صغير للعزف و غناء يبكيك و تخفي دمعة في مساء الربيع البارد يقول لك استاذ الموسيقى مرحبا لا بد ان تشرب شايا و تأتيك الطفلة ابتسام بطبق لن تنساه، هكذا و انت في طريقك لقراءة شعرية في المركز الثقافي بنابلس و كان منزلا للشاعرة فدوى طوقان.
كيف للشعر ان لا يتعب و كيف له ان لا يسمع و لا يرى و كلامك سجين العواطف، أسير العواصف، تكتب ألما و لا يكفي للقلم أن يجرّ أسطره كما يجرفك التاريخ، تشدّ على كلماتك و تحبس أنفاسك و تغصّ القاعة مسيحيين و مسلمين.
تقول لك السيدة التونسية لا بد ان تذوق الكنافة و يكون طعم الوجود سكريا و مرّا و للشعر و الفن قيام ضدّ الخِيام.
كأس شاي و موسيقى في المخيم و عيون الأطفال كالأفق المحتفل شامخا، أصوات الأطفال وهم يغنون ينتشلك من الهبوط و تنعكس الآية.
تقرأ الشعر و في أذنيك صدى و عزم و أداء و نوتات البيانو الصغير، لم تكن يوما عازفا و لكن كل نوتة كان لها وقع في كيانك، فن الحياة ضدّ قبر الكيان، كنت كالطفل لا تلهو بعبث التاريخ و عنف النسيان.
تلك أسطر تسجلها في رحلتك سنة 2009 و تقسم على الزيتون ان لا تنسى.
شارك رأيك