أعتقد أن من يتعمد التنكر لنضال الزعيم الحبيب بورقيبة و ما قدمه لتونس من تضحيات فهو جاحد لئيم لأنه و لئن كان من المقبول أنه من حق الجميع نقد العمل البشري فإنه من سوء الأخلاق أن تدفعنا بعض الأفكار و الهواجس و الإشاعات و الأباطيل و الأراجيف إلى مسح تاريخ و نضال شخص بحجم الزعيم الحبيب بورقيبة كل ذلك للتشويه و إرضاء بعض الجهات الأجنبية أو بمقابل بعض الدولارات.
بقلم أحمد الحباسي
بطبيعة الحال نتفهم غضب و إحباط بعضهم حين نعرّى جبل الكذب الذي يتسترون وراءه للنيل من الزعيم كما نتفهم لجوءهم للعنف اللفظي و السبّ و الشتم و استعمال نفس العبارات البليدة إياها في محاولة ذميمة للإيحاء بكونهم يملكون الحقيقة كاملة و ما كتبوه من افتراءات على الزعيم الحبيب بورقيبة هو نصّ قرآني لا يحتمل النقد أو التجريح.
من بين الأراجيف أن يزعم أحدهم أن الزعيم الراحل يكره صفاقس و الصفاقسية مع أن الرجل قد بنى فلسفته في النضال و الحكم على نبذ العروشية و كان لصفاقس نصيب وافر من الوزراء في كل الحكومات التي شكلها بعد الاستقلال و المشاريع الصناعية الكبرى.
هؤلاء المفترون على التاريخ و الحقيقة
ما قيل طعنة مسمومة موجهة للتاريخ و للحقيقة لا يمكن أن تصدر عن شخص متماسك عاقل أو منصف و تجعلنا نسلم بأنه لا على المريض حرج و بطبيعة الحال من تخرج من فمه كل هذه السموم لا يمكن إلا أن نطالب بشفائه و لو أن قناعتنا أن بعض الألسن لا ينفع معها رجاء و لا صبر و لا تجاهل.
عندما لا يجد هؤلاء المفترون على التاريخ و الحقيقة من سهام يسلطونها فهم يلتجئون كعادتهم للنبش في مدى تمكنك من لغة الضاد و يتحولون بقدرة قادر إلى أصحاب غيرة شديدة على هذه اللغة مع أنهم يعلمون علم اليقين أن خيانتهم للتاريخ و للوطن أكبر و أشدّ كفرا و مؤاخذة من خطأ في الكتابة أو النحو أو الصرف.
هناك توجه كريه لدى البعض و هناك محاولات نبش و تنقيب على كل ما من شأنه ضرب الوحدة الوطنية و العيش المشترك ليصل الأمر حدّ الصراع على الهوية و على المشترك و على القيم و على المقدسات و بالطبع الزعيم بورقيبة كان أحد أهم أحجار الأساس لهذه القيم النبيلة حين سعى إلى ترسيخها و جعلها المنارة التي يلتجأ إليها كل التونسيون حين يشتد ظلام التكفيريين.
نعيدها على مسامعهم مرة أخرى : زمن بورقيبة كان زمنا جميلا بكل ما فيه سلبا و إيجابا. لا يهم أن يخرج علينا أحدهم ممن ملأت الأحقاد قلبه أو طالبته مقاولات بعض الدول المتآمرة بمقالات بالقطعة تتهجم على الزعيم الراحل لأن جرأة هؤلاء على ميّت تكفى وحدها للتدليل على أن مستواهم الذهني قبل الأخلاقي قد وصل إلى قاع القاع.
نحن لا نعبد الأشخاص مهما أنجزوا أو شاركوا في إثراء الفكر الإنساني لكننا نعترف لهم بالجميل و هذا في نظرنا أضعف الإيمان. لكن بالمقابل لا نرضى أن يتعمد أنفار من ذوى النيات السيئة و الموتورة إلى المسّ منهم تحت أية ذريعة لأن هناك فرق بين النقد و بين التشويه المتعمد و المدفوع الثمن.
في زمن مضى كان الواحد منّا يجد متعة في المناكفات و الملاسنات أما اليوم و الوطن يحترق و في ظل هذا الركام الهائل من الدماء و الأشلاء و الخراب و الجوع و طوابير الخبز المفقود فقدنا الرغبة في المناكفة أصلا خاصة أننا وصلنا إلى قناعة راسخة بأن كل إناء بما فيه يرشح.
من بنى المستشفيات و الكليات و الطرقات و المطارات و السدود ؟
إن هؤلاء المتكالبين على تشويه سيرة الزعيم الحبيب بورقيبة و أكثرهم لم يعش فترة الاستقلال الأولى و ما حفّت بها من أحداث و وقائع لا بدّ أنهم بنوا تصريحاتهم و كتاباتهم و نقدهم الجارح، و لنفترض حسن نيتهم، بناء على السماع و على ما جاء على لسان بعض الذين ضحّوا بشرفهم مقابل بعض أموال السفارات و دكاكين المخابرات الأجنبية لأنه لا يعقل أن يتم التهجم على إرث الزعيم و الحال أن فرنسا لم تخرج إلا بعد أن تركت الأنقاض و الدمار و الخزائن الخاوية فلسائل أن يسأل من بنى المستشفيات و الكليات و المعاهد و الطرقات و المطارات و الملاعب و السدود و غيرها من البنية التحتية؟
إن القول بأن قيام الرئيس بورقيبة بإنشاء بعض المعامل بمدينة صفاقس كان لها تأثير سيء على البيئة و المواطنين و هو فعل مقصود به الإضرار بجودة الحياة في هذه المدينة نتيجة ما يحمله الرئيس من كره لها هو افتراء مفضوح لا يصدقه و لا يزعم هؤلاء المهاطيل الفاقدين للضمير.
نحن نعلم أن هناك من يتمعش من إيتاء المنكر و فاحش القول و رمى الأموات بالباطل كما نعلم أن هؤلاء اليرابيع المسمومة لا ينفع معهم توبيخ أو ترذيل لأنهم فقدوا أساسا حمرة الخجل.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك