لقد سقط حلم دولة الخلافة إلى الأبد و خسرت حركة النهضة كافة الرهانات و باتت مجرد كابوس يحاول الجميع نسيانه و التخلص منه. و القول بإمكانية عودة الحركة الأسلامية التونسية إلى مقدمة المشهد السياسي أمنية لا تسندها الحقائق السياسية الدامغة.
بقلم أحمد الحباسي
يتجه التذكير بادئ ذي بدء أن هناك من لا يزال يسوّق إلى فكرة مفادها أن ما عقب القبض على قيادة حركة النهضة و إيداعها السجون من سكون و صمت هو نذير عاصفة قوية ستهز قريبا أركان الدولة التونسية و سترجع تلك القيادة لتقود البلاد من جديد لحكم تونس مئات السنين.
في الحقيقة حركة النهضة لن تعود سواء في شكلها القديم أو في شكل محوّر و الإسلام السياسي لن تقوم له قائمة مهما حصل من مؤامرات و تدفق أموال قطرية و دسائس تركية و من يسعون اليوم من مرتزقة إعلام التضليل و الفوتوشوب لمحاولة الإيحاء بأن الإخوان راجعون و علينا تحسّس رؤوسنا عليهم أن يستفيقوا من أوهامهم الخبيثة.
حركة النهضة لم تستوعب الدروس
الواقع أن معضلة حركة النهضة و قيادتها المشبوهة أنها لم تستوعب الدروس و طبيعة اللحظة التي انتقلت فيها من “المعارضة” المسلحة إلى الحكم و ظلّت تلوّك خرافة أنها ضحية استبداد و لم تنظر إلى قبح و فجاجة و عنف تصرفاتها التي أدّت تحويل مساحة الوطن إلى رقعة دماء سقط فيها شهداء و تيتمت عائلات و ذرفت فيها دموع المكلومين الأبرياء.
لقد سقطت أكبر كذبة حصلت في تونس و التي تقول أن الإسلام السياسي هو الحل بعد أن تبيّن أن ترجمة فكر الإسلام السياسي تقوم فقط و لا غير على استعمال الإرهاب و التكفير و العنف للوصول للحكم و تبيّن أن حكم الإخوان هو أفضل نظام سياسي يمكن شراء أعضائه بالأموال المشبوهة نظرا لما يمكن للنقود أن تفعله في تشكيل عواطف الناس و قد شاهدنا كيف باعت الحركة مصالح تونس في المزاد العلني و كوّنت لوبيات داخل مجلس النواب لتمرير قوانين تبيح الاقتراض بفوائد مشطه و تهدي لقطر عدة مؤسسات على طبق من ذهب.
لقد كانت الحقائق تسخر من بعض المغفلين الذين طالبوا مرشد حركة النهضة ذراع البطش الإخوانية في تونس بأن تكون حكومته حكومة كل التونسيين لأن قاموس الحركة لا يوجد فيه مثل هذا الفكر الجامع لذلك يقول المحللون أن أكبر خسارة للجماعة كانت فقدان رأس المال الاجتماعي الذي تآكل بسرعة فائقة طيلة فترة حكمهم المشئومة لم تسمح لقيادتها النرجسية المغرورة حتى لحسن قراءة الوقع بدقّة.
لم يقتصر أمر الجماعة في البحث عن السيطرة السياسية و الإدارية على كل مرافق الدولة بل كانت هناك محاولات خائبة لتغيير هوية المجتمع برمته و كان الفن و الإبداع أحد أهم القلاع التي استهدفها التيار السلفي.
الأسباب الرئيسية لسقوط حركة النهضة
لقد شكّل الهجوم الهمجي على دور السينما و صالات عرض اللوحات الزيتية و التعرض بالشتم للفنانين سابقة خطيرة و عنوانا واضحا يؤكد أن جماعة الشيخ راشد الغنوشي الذي لم يتورع بوصف مثل هذه الميليشيات العنيفة بكونها تعبر عن “الإسلام الغاضب” هي جماعة منغلقة على كل تيارات الإبداع و أن هذا الانغلاق المقصود منه إرجاع مستوى الحياة الثقافية إلى بدايات العصر الحجري.
لقد أختار الشيخ راشد الغنوشي الانتصار لجماعته و لجأ إلى خطاب شعبوي غايته استقطاب الشباب العاطل عن العمل لتسفيره إلى بؤر التوتر في سوريا و ليبيا بدل البحث عن الاستثمارات الخارجية القادرة على خلق مواطن الشغل كما بحثت الحركة عن افتعال صدام مع الاتحاد العام التونسي للشغل مما زاد في تعكير المناخ الاجتماعي و خروج الأمور عن السيطرة.
لعله من الأسباب الرئيسية لسقوط حركة النهضة أنه قد كانت لديها تقديرات مبالغ فيها عن قدرتها على قيادة البلاد و لذلك تصورت أنها تملك إمكانيات و قدرات بشرية قادرة على التعامل مع متطلبات المجتمع و تبين بمواجهة الواقع أن رموز الحركة الذين تم “توظيفهم” كوزراء من باب الترضية قد فشلوا في فهم الواقع و التعامل مع الوقائع نظرا لانعدام خبرتهم و غرورهم الزائد عن حدّه.
لقد وقفت الزنقة للهارب كما يقال و وجدت الحركة نفسها أمام هيجان شعبي أكثر اشتعالا عمّا كان عليه زمن الرئيس الراحل زين العابدين بن على و قد مثّل ذلك أكبر مفاجأة عجّلت بسقوطها زائد أن دخول شيخها للبرلمان و استبداده بالتصرف و مواجهته لرئيسة الحزب الدستوري الحر السيدة عبير موسي قد تسببت له في خسارة معنوية جعلته أضحوكة المجلس و محل سخريته بعدما عرّت هذه السيدة عوراته و كشفت عمالته و عمالة أعضاء الحركة و رغبتهم الجامحة في نهب التعويضات في حين كان الشعب يعانى الفقر و البطالة.
سقوط حلم دولة الخلافة إلى الأبد
لقد جاءت قرارات ليلة 25 جويلية 2021 لتكون بمثابة الصاعقة التي هزت كيان الحركة و بعثت اليأس في قلوب عديد العملاء و بعض الدول المتآمرة التي شاهدت صورة زعيم الإخوان منكسرا ذليلا عديم الحيلة أمام الباب المقفل لمجلس النواب.
لقد تذكر الشيخ في تلك اللحظة بالذات تصريحات السيدة عبير موسي التي “بشرته” بقرب سقوطه و اضمحلال سطوته و خروجه منكسرا من الحلبة السياسية في اتجاه صندوق المجهول و لا شك أنه تذكر كيف حاربها بكل الطرق البربرية مستعملا أدواته الفاجرة التي شاء القدر أن ترافقه إلى السجن مثل نورالدين البحيري و على العريض و سيف الدين مخلوف.
ربما تذكر شيخ الفتنة و القتل على الهوية فى تلك اللحظة كيف أهان شعبا كاملا فخسر تعاطفه و دفعه إلى المطالبة بسجنه و محاسبته.
طبيعة الحال لم تكن هناك قدرة لجماعة الإرهاب على الاجتهاد لخلق مناخ استثمار و عمل و اطمئنان و كان الاعتماد فقط على نظريات المرجعيات القديمة لحسن البنا و يوسف القرضاوي و هذه النظريات القديمة لم تعد قادرة على إرضاء طموحات الجيل الحديث.
سقط حلم دولة الخلافة إلى الأبد و خسرت حركة النهضة كافة الرهانات و باتت مجرد كابوس يحاول الجميع نسيانه و التخلص منه.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك