الرئيس قيس سعيد لم يعمل على مراجعة الاتفاقية التجارية التركية التونسية التي أضرت كثيرا بالاقتصاد التونسي و فاقمت العجز التجاري للبلاد رافعا شعار محاسبة الفاسدين دون تحويل هذه الشعارات إلى واقع ملموس.
بقلم أحمد الحباسي
من بين خطايا فترة حكم الإخوان المسلمين و فرعهم حركة النهضة في تونس طيلة ما يزيد عن عشر سنوات فرض بنود اتفاقية الإذعان التجارية التركية التي تسببت في غلق عدد كبير من المصانع التونسية و تصاعد أرقام الفئة العاطلة عن العمل التي تشتت بين من قرر مكرها “الحرقة” إلى ايطاليا و عرّض نفسه إلى مصير قاتم مجهول و بين من أجهزت ميليشيات حركة النهضة على ما تبقى لديهم من تفكير لتجعل منهم بفضل دروس التكفير و الحثّ على “الجهاد” قنابل انشطارية تمّ تسفيرها إلى بلاد الشام للقيام بعمليات وحشية بربرية استهدفت البشر و الحجر تحت رعاية المخابرات التركية و بفضل التمويل القطري السعودي و “بتنشيط ” إعلامي من بعض القنوات العربية و الغربية و على رأسها قناة “الجزيرة” التي تجاوزت كل الحدود في تضليل الرأي العام و تزوير الحقيقة و باتت منصة خطيرة استغلها شيخ الظلام يوسف القرضاوي لبث سمومه التكفيرية و الحث على قتل المسلمين و الانتصار إلى مشروع الفوضى الخلاقة الذي تنفذه و تديره المخابرات الأمريكية و الموساد الصهيوني.
المصانع التونسية عرضة للإفلاس و الغلق
ربما يقول البعض أن هذه الاتفاقية التجارية قد تم توقيعها في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي لكن توقيع تلك الاتفاقية التي كانت تهدف أساسا إلى إعفاء المنتجات الصناعية من الرسوم الجمركية و إعفاء بعض المنتجات الزراعية من هذه المعاليم إلى حدود سقف معين قد كان قابلا للتحوير بمرور الوقت و قياسا بالمصلحة الاقتصادية التونسية خاصة بعد أن أصبح العجز التجاري الذي تجاوز 990 مليار دولار أمريكي يميل لصالح الجانب التركي و باتت عديد المصانع التونسية عرضة للإفلاس و الغلق.
إن طلب مراجعة اتفاقية التبادل التجاري مع تركيا فرضته ضرورة مواجهة العجز التجاري الناتج عن اتفاقيات غير متكافئة وجب تعديلها أو تعليقها بحكم الوضعية غير المستقرة للمدخرات التونسية من العملة الصعبة بسبب تفاقم العجز التجاري. ليبقى السؤال المهم : ما الذي منع و لا يزال يمنع مراجعة هذه الاتفاقية و لماذا عملت حركة النهضة من خلال حكومتي حمادى الجبالى و علي العريض على مزيد ترسيخ بنود هذه الاتفاقية بدل العمل على تحويرها أو مراجعتها بل لماذا سعت الحركة عبر مجلس النواب إلى تأبيد هذه الاتفاقية رغم انعكاس ضررها على الاقتصاد التونسي.
لعل المثير في موضوع هذه الاتفاقية هو غياب الإرادة السياسية لدى حركة النهضة التي تولت الحكم طيلة عشر سنوات و التي جعلتها تتعمد عدم سنّ قوانين و تشريعات من شأنها دعم القدرة التنافسية للمنتجات التونسية في مواجهة السيل الجارف للمنتجات التركية المدعومة من قبل الحكومة التركية بحيث يمكن الحديث عن عملية تخريب مقصودة و عن خيانة موصوفة للاقتصاد التونسي و عن جريمة لا تغتفر ستكلف تونس فاتورة اقتصادية و تنموية و اجتماعية باهظة الثمن طيلة السنوات القادمة.
بطبيعة الحال لا يمكن إلا أن نتحدث عن تحالف الشر بين حزب العدالة و التنمية الحاكم في تركيا و حركة النهضة الحاكمة في تونس و هو تحالف متآمر استغل هشاشة الوضع الاقتصادي ليعمق الجراح و يقصف البنية التحتية للاقتصاد التونسي في فترة رفضت دول الخليج مدّ يد المساعدة أو دعم الخزينة التونسية التي وصلت إلى حالة غير مسبوقة من الإفلاس بسبب صرف التعويضات لأبناء حركة النهضة مقابل ما مارسوه من الإرهاب و التخريب منذ نشأة هذا التنظيم البائس.
لعل المثير للانتباه أن الرئيس قيس سعيد الذي يبحث اليوم عن مراجعة الاتفاقية التجارية التركية رافعا شعار محاسبة الفاسدين لم يكلف وزير الاقتصاد السيد سمير سعيد بإعداد ملف يتعلق بهذه المؤامرة التركية على الاقتصاد التونسي و التي تم فيها انتداب حركة النهضة للقيام بأعمال و نشاطات تخدم هذه الاتفاقية و تجعل سبل مراجعتها على المدى القريب مستحيلة.
المثير أيضا أن الرئيس و رغم أهمية هذا الملف و انعكاسه على الاقتصاد التونسي و فقدان الأرصدة المالية لمعالجة مشاكل توفير المعيشة للشعب التونسي فانه يفضل الدخول في حوار الصم و البكم و حوار غير متكافئ مع الجانب التركي و يرفض رفضا قطعيا تشريك المنظمات الوطنية و رؤساء المؤسسات الاقتصادية المتضررة لإعطاء زخم شعبي لتحركه خاصة و أن الجانب التركي يدرك تمام الإدراك نفور الشعب التونسي من القيادة التركية و من مؤامراتها و مشاركتها في ضرب الاستقرار و الأمن في تونس.
من المفارقات أيضا أنه و رغم ما تتسم به الواردات التركية من مخالفتها للمواصفات الصناعية التونسية فان هناك “رجال أعمال” يتعمدون إدخالها و تعويم الأسواق التونسية بهذه السلع المغشوشة و هؤلاء يرفض الرئيس محاسبتهم و يكتفي فقط برفع الشعارات الفارغة لا غير.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك