من رواية إلى أخرى يؤكد الكاتب والصحفي محمود حرشاني القادم إلى الرواية من عالم الصحافة قدرته على التحكم في تقنيات كتابة الرواية لغة واسلوبا واختيارا للمواضيع المتنزلة هنا و الآن.
مراسلة خاصة
في روايته الجديدة “مرايا الروح” (وهي الرابعة في رصيده بعد “حدث في تلك الليلة” و “ولد الموجيرة” و “الطريق الى الحرية”) اختار محمود حرشاني أن يشتغل على محور جديد وهو الصحافة.
في مدخل الرواية يقول الكاتب :”أدخلتني الصحافة إلى عالم الأدب وفتح الأدب بصيرتي على عوالم لم يكن ممكنا إدراكها لولا التسلح بخلفية الصحفي التي تقوم على طرح السؤال لفهم حقيقة الأشياء”.
في عمق التجرية الذاتية
كما اختار الكاتب ان يكون البطل الرئيسي لروايته صحفيا يدفعه حبه للصحافة إلى بعث صحيفته الخاصة ويتكبد في سبيلها المتاعب والمشاق ويلاقي من العنت ما يجعله في كل مرة يقرر إيقاف إصدار الصحيفة التي أسسها. لكنه يتراجع و يطرح على نفسه السؤال الحارق: هل البلاد في حاجة الى كل هذا المجهود الذي يبذله من أجل ضمان استمرارية الصدور ؟ أنور بطل الرواية هو في الواقع الكاتب نفسه الذي يدفعه حبه للصحافة الى إصدار جريدته الخاصة ويحاول أن يتحدى كل الصعوبات التي تعترضه حتى لا تموت الجريدة تحت أي ضغط.
ويأخذنا الكاتب إلى الأجواء الأدبية والثقافية في العاصمة التونسية التي تحفل بمجالس الأدباء في تونس خلال فترة الثمانينات و التسعينات من القرن الفائت مثل أبو زيان السعدي في نزل الهناء وتوفيق بكار في مقهى باريس و أنس الشابي و غيرهم. ومن هذه الناحية فإنه يمكن اعتبار الرواية سيرة ذاتية للكاتب لولا أنه نجح في تجنب الحديث عن كل ما هو ذاتي صرف لـيفتح فصول الرواية الأخيرة على مواضيع جديدة اكسبتها قيمة مضافة مثل الإتجار بالبشر من خلال توظيف نورهان المراة المطلقة من قبل أحد الأمنيين المتقاعدين الذي يتاجر في بيع الأواني المنزلية في جمع معلومات عن شخصيات يحددها لها فيدفعها دفعا الى السقوط في عالم الرذيلة وينجر عن ذلك انفصالها عن زوجها وفراره إلى جهة غير معلومة تاركا في عهدتها ابنين تضطر إلى ممارسة الأعمال القذرة بما في ذلك ممارسة الجنس بشكل سري . وكانت في كل مرة تود ان تنتقم من جلاديها لأنها في الأصل لا ترضى لنفسها هذا المسار… وكم تمنت أن تنتقم من ذلك المحامي الذي استغلها ومارس معها الجنس في مكتبه وتكدس على أريكته بعد الانتهاء من عمليته أشبه بالحيوان المتعب.
مفعول الزمن و تغير الأحوال
كما تبرز في الرواية شخصية سنية العاملة بمؤسسة إعلامية وتعاني من خيانة زوجها لها. تلتقي بانور بعد سنوات و تحاول ان تكاشفه بما تعانيه من إهمال زوجها لها وخياناته كما يبرز لنا الكاتب شخصية إلهام التي يلتقيها صدفة في إحدى المقاهي حيث تشتغل نادلة وهي فتاة موجوعة ممن فشل زواجها الأول لأن زوجها يعاني من نوبات عصبية فشل الأطباء فيي علاجها أو هو لا يريد ان يتعالج.
و لعل أنور وجد تعويضا لأتعابه في التكريم االذي حظي به من قبل رئيس الجمهورية بين عدد من رجال الثقافة والإعلام والفكر. كما حظي بلقاء وزير الثقافة الذي يعلمه ان الدولة لن تتخلى عنه ولن تتركه يصارع الصعوبات وحده وينتعش وهو يستمع إلى كلام الوزير وهو يقول له: “نحن نقدر مجهودك با سي انور. الدولة تحتاج الى جهود ابنائها من امثالك. المشروع الثقافي الوطني يستوعب جهود الجميع من المثقفين والمبدعين”.
ما يشد الاهتمام في رواية “مرايا الروح” اشتغال الكاتب واحتفائه بالأمكنة على تنوعها واختلافها من شارع الحبيب بورقيبة إلى وشارع باب بنات مرورا بنهج جامع الزيتونة ونهج جون جوراس والمقاهي ومقار الوزارات المنتصبة على طول شارع باب بنات ومحيط القصبة والمطاعم الشعبية في نهج القاهرة وأماكن أحري كثيرة فقد الكثير منها اليوم بريقة بفعل الزمن و تغير الأحوال…
شارك رأيك