عبد المجيد يوسف أديب تونسيّ من مواليد 26 جويلية سنة 1954 غادرنا السبت الماضي 26 أوت 2023 عن سن 69 سنة وهو من أعلام الشعر و الرواية و الترجمة الأدبية في العالم العربي.
بقلم سوف عبيد
حفظ نصيبا عبد المجيد يوسف وافرا من القرآنَ وهو في الثّامنة. نشط في الحياة الثّقافيّة التّونسيّة منذ ان كان تلميذا وشارك في العديد من الأندية الأدبية والتّظاهرات الثّقافيّة.
متخرّج من كلية الآداب بتونس بالأستاذيّة في الآداب العربيّة وتحصّل على الدّبلوم العالي للّغة والدّراسات الإيطاليّة ثمّ على دبلوم الدّراسات المعمّقة من كلية الآداب بسوسة.
يكتب الشّعرو القصّة والرّواية ويهتمّ بنقد السّرد. ونشر عدّة قصص وقصائد ودراسات مترجمة من وإلى اللّغات العربية والفرنسية والإيطالية وأصدر أكثر من ثلاثين كتابا و من إصداراته “مقاربات نقديّة“ (دار سعيدان بسوسة، 1994)، “أهداب النّخل” (دراسات عن القاص التونسي بشير خريف، دار سيبويه بالمنستير، 2008)، “زوايا معتمة” (قصص، المجلس الثقافي الليبي، ودار قباء، مصر 2008)، “سحب آسنة” (مجموعة شعرية، دار البراق، سورية، 2010، “وبعد“ (مجموعة شعرية للشاعر الإيطالي جوزبي نابوليتانو، ترجمها عن الإيطالية، دار البراق، سورية 2010)، “تراتيل الترحال” (مجموعة شعرية للشاعرة راضية الشهايبي نقلها إلى الفرنسية وترجمت للإيطالية وصدرت بنابولي 2010 عن دار لا ستنازا دل بويتا، ترجمة من العربيّة إلى الفرنسيّة لديوان للشاعر السعودي رائد أنيس الجشي، صدر في فرنسا عن دار هارماتن في بداية 2014، كتاب المواجيز (شعر)، “اللواجست” (رواية)، المعصرة (رواية)، “لمعراج والخيول” (ديوان مشترك مع سُوف عبيد)، “Oxyde de l’âme” (قصائد مترجمة للفرنسية لسُوف عبيد).
كما شارك المرحوم في كتاب جماعي بعنوان “المسعدي مبدعا ومفكرا” الصادر عن بيت الحكمة بتونس بمقالة “من التخوم إلى الأعماق ـ حدث أبو هريرة ـ المسافر”.
قراءة في قصيدة “المقهى الأزرق” لعبد المجيد يوسف
أخطأت النادلة
فأحضرت لنا كأسيْن
كأنّ بها حوَلا
نحن واحد متّحـد، فكيف رأتنا اثنيْن؟
الطرف يأخذ بالطرف
والنبض مشوب بالنّبض
والعين تسيح في العين
والجزء يذوب في الجزء… والصّوت صدى
روحان في جسد… جسدٌ في روحيْن
واليوم أعود إلى ذات المقهى
وأنا غير أنا
مختلف… منشطر وكسير
أجلس في ذات الرّكن
قمرا متهرئا وقديم
تقف النادلة
ثمّ تولّي مدبرة حيرى
تبحث في السلّة عن شيء يشبهني
كوب مشطور نصفـين”
بأسلوب جديد مبتكر نقرأ “المقهى الأزرق” لعبد المجيد يوسف الّذي نهج فيه أسلوب السّرد لكأنّه ينقل لنا خبرا أو يصف واقعة بعيدا كلّ البعد عن معجم الشّوق وما قاربه من سِجلاّت الحبّ والشّجون حيث نقل لنا حالتين أو واقعتين.
تتمثّل الأولى في جلوسه مع الحبيبة في ركن مقهى وهما في حالة اِنسجام تامّ ثمّ صوّر لنا جلوسه في نفس المكان وحيدا مشتاقا إلى ذكرى الجلسة الأولى وقد بدأ القصيدة قائلا: “أخطأت النادلة/ فأحضرت لنا كأسيْــن /كأنّ بها حـوَلا”, غير أنّ القصيدة تنزاح انزياحا غريبا عندما نعلم أنّ الشّاعر كان من الاِنسجام والتآلف والتّوحّد مع حبيبته حتّى صار – وهما الإثنان – واحدا: نحن واحـــد متّحـــد، فكيف رأتنا اثنيْــن؟ / الطّرف يأخذ بالطّرف / والنّبض مشوب بالنّبض / والعين تسيح في العين / والجزء يذوب في الجزء… / والصّوت صدى / روحان في جسد… جسدٌ في روحيْـن”.
لذلك تعجّب الشّاعر من النّادلة عندما أحضرت لهما كأسين إثنتين! وهنا يكمن الوقع الشّديد في التّعبير بالصّورة والرّمز عن قوّة الاِنصهار بين الحبيبن كقول بِشَارة الخُوري: لو مرّ سيف بيننا لم نكن نعلمُ هل أجرى دمى أم دمَكْ”.
ثمّ تعجّب الشّاعر ثانيةً عندما عاد مرّة أخرى وحده في حالة نفسيّة متدهوة عبّر عنها بصورة القمر المهترئ القديم وبتعجّب النّادلة الّتي عوض أن تُقدّم إليه كأسا فإنّها سارعت حيرى تبحث عن كوب مشطور إلى نصفين رمزا للفراق أو كناية عن البُعد بينه وبين حبيبته: “تقف النّادلة / ثمّ تُولّي مدبرة حيرى / تبحث في السلّة عن شيء يشبهني / كوب مشطور نصفـيْن”.
فالقصيدة اِتّخذت من السّرد والرّمز والمفاجأة عناصر أساسيّة للتّعبير عن الحالة النّفسيّة للشّاعر في حالتيْ الاِئتلاف والِاختلاف مع حبيبته وقد ركّز على حضور النّادلة وتصرفها العجيب في المناسبة الأولى والثّانية وفي كلّ مرّة يكون ردّ فعلها عاكسا لوجدان الشّاعر.
يمكن أن نعتبر القصيدة إنجازا شعريّا جديدا بما فيها من إضافة وبحث…
شارك رأيك