انتظم مساء يوم 4 سبتمبر الجاري حفل استقبال بمتحف قرطاج بإشراف كل من وزيرة الشؤون الثقافية الدكتورة حياة قطاط القرمازي ووزير السياحة الاستاذ محمد المعز بلحسين وكاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية الاستاذ منير بن رجيبة وبحضور مجموعة من سفراء الدول الشقيقة والصديقة وممثلين عن السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى الجمهورية التونسية حيث تمّ خلال هذا الحفل تقديم عرض مفصّل يوثّق لمختلف الخطوات التنفيذية التي شهدتها عملية إيداع ملف ترشيح جربة لتسجيلها على قائمة التراث العالمي والمزمع عرضه على أنظار لجنة التراث العالمي في دورتها 45 التي ستعقد اجتماعها بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية من 10 إلى 25 سبتمبر الجاري.
وتم خلال العرض تقديم القيمة التاريخية والحضارية الفريدة من نوعها والمخزون التراثي والثقافي الذي يميّز جزيرة جربة ويؤهلها لتكون ضمت التراث العالمي. ويتميز الممتلك الثقافي “جربة: شاهد على نمط إعمار في مجال ترابي جزيري للإدراج بلائحة التراث العالمي” الذي تم ترشيحه بكونه ممتلك متسلسل يتكوّنُ من 31 عنصرا ويعكس تخطيطا عمرانيا جزيريًّا استثنائيًا، تطوّر خلال الفترة الفاصلة بين القرن العاشر والقرن الثامن عشر حيث يعدّ هذا النمط من الإعمار مرآة للمعتقدات الدينية وللتنظيم الاجتماعي لِسُكّانها،وقد غَدَتْ الشواهد المادية على هذا النمط من الإعمار مُعرَّضةً للخطر ومُهدّدةً بالاندثار بسبب التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتغيرات المناخية
وسيكون الاعتراف الدولي بالقيمة العالمية لجزيرة جربة فرصة للمحافظة على هذا التراث الثقافي الفريد من نوعه في العالم للأجيال القادمة وكتابة صفحة جديدة في تاريخ الإنسانية وكذلك لتدعيم جزيرة جربة كوجهة سياحية مميزة وذات صيت عالمي الى جانب الانعكاسات الايجابية لهذا الحدث العالمي الهام على الجوانب الثقافية والاقتصادية والسياحية في الجزيرة بشكل خاص وللبلاد بشكل عام ومساهمته في صيانة الموروث الحضاري والثّقافي المتنوع والثري بالجزيرة
واذ نشير الى أنه منذ سنة 1997 لم يتم تسجيل أي معلم تراثي أو أثري تونسي على اللائحة العالمية فان حرص وزارة الشؤون الثقافية في السنوات الاخيرة على تثمين مخزونها الاثري الثريّ جعلها تسارع بترشيح ملفات من التراث التونسي بوجهيه الملموس وغير المحسوس قصد إنقاذ إرثها من الاندثار والنسيان و الارتقاء به إلى الاعتراف العالمي وفي هذا الاطار عملت على تسجيل عنصر المعارف والمهارات المرتبطة بفخار نساء سجنان وكان هذا أول ملف تتقدم به تونس بعد مرور 20 سنة في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو كما تم تسجيل ملف المهارات والممارسات والتقاليد المرتبطة بالنخلة وهو ملف عربي مشترك الى جانب تسجيل القصور الصحراوية بالجنوب التونسي في لائحة التراث الثقافي المادي للإنسانية ويجري حاليا تسجيل ملف جزيرة جربة على لائحة التراث العالمي لتسجيله وذلك ضمن مشروع وطني ذي أولوية مطلقة تعاضدت فيه مجهودات ادارات جهوية وممثلين عن المجتمع المدني وإطارات لوزارة الشؤون الثقافية وبما من شأنه أن يعزّز إشعاع الجهة دوليا والاعتراف بها إقليميا كوجهة سياحية ورافدا أساسيا من روافد التنمية وذلك لما تتميز به من قيمة تاريخية وحضارية متميزة
كما كان ملف تسجيل جزيرة جربة على قائمة التراث العالمي مؤخرا محل اهتمام رئيس الحكومة الاستاذ أحمد الحشّاني خلال لقاء جمعه بوزيرة الشؤون الثقافية حيث أوصى في هذا السياق بضرورة انخراط كل المتدخلين لانجاحه وأكدت الوزيرة من جهتها خلال هذا اللقاء أنه يتم حاليا حشد التأييد الدولي لهذا الملف خصوصا وان تونس عضوا في المجلس التنفيذي لليونسكو اي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة حيث أودع هذا الملف بمكتب اليونسكو بفرنسا في فيفري 2021 بعد إجراء التعديلات النهاية عليه تبعا لتوصيات المجلس الدولي للمعالم والمواقع والاتّحاد الدولي لصون الطبيعة لدعم حظوظ ترشيح الملف التونسي لتشرف وزيرة الشؤون الثقافية خلال جلسة عمل عقدت يوم 27 ديسمبر 2021 خُصّصت لمتابعة التعديلات النهائية لهذا الملف الذي أنجز بخبرات تونسية قامت بمراعاة الخصوصيات الثقافية والمعمارية والمجتمعية والاستفادة من جميع المستويات الانسانية والانثربولوجية للجزيرة خلال اعداد هذا الترشّح والذي سيكون دافعا وحافزا لعديد الملفات الأخرى لإدراجها في القائمة النهائية وللإطلاع على آخر الخطوات التنفيذية لهذا المشروع حيث تشمل أجزاء ملف إدراج جربة على قائمة التراث العالمي مختلف العناصر التي تتفرّد بها الجزيرة بما يجعلها ضمن المواقع المرشّحة لدخول قائمة التراث العالمي الى جانب ثرائها بالعديد من المواقع والمعالم التراثية والحضارية بهذه المنطقة التي تقع في قلب خليج قابس وهي ذات تراث طبيعي ومعماري وثقافي مهم وتضم أقدم كنيس في شمال أفريقيا، ومساجد مبنية بأنماط متعددة تعود لحقبات تاريخية مختلفة وهي أماكن عبادة وتعلم كما تزخر بالأسواق التي تعرض فيها الحرف التقليدية التونسية من صناعة الحلي،والخزف الملون،والبطانيات الجربية الشهيرة ويشتهر مشهدها المعماري ببساطته وأصالته وبخصائص نحتية حيث تبقى هذه الجزيرة و منذ قدم التاريخ عاصمة التلاقح الحضاري والتعايش بين الأديان الى جانب اللون الأبيض الموحد الذي يميزه وبما ينصهر ضمن ثراء التراث الثقافي التونسي سواء أكان ماديا أو غير مادي المتنوّع الدرر الثمينة والكنوز المتفردة و الخصبة و الثروات التاريخية من معالم ومواقع وحرف ومهارات
وفي انتظار إدراج جربة في قائمة التراث العالمي كاعتراف دولي بها تحت يافطة عاصمة التعايش الحضاري والتجاور الديني، تنتظر مواقع أثرية عديدة ومدن تاريخية أخرى دفع ملفاتها لالحاقها في قائمة اليونسكو على غرار مدينة صفاقس والشرفية بجزيرة قرقنة
- كاتب المقال: منصف كريمي
شارك رأيك