بدأ الوقت ينفد على رئيس الجمهورية التونسية السّيد قيس سعيّد إذا حسبنا الشهور المتبقّية من فترة رئاسته التي تمتد خمس سنوات وتنتهي في أكتوبر 2024، ولم يعد أمام الرئيس قيس سعيّد إلا القليل لتغيير ما يمكن تغييره على الأرض. (الصورة : قيس سعيد الجمعة في زيارة فجئية للبنك المركزي التونسي).
بقلم فوزي بن يونس حديد
ما زال الشعب التونسي يعيش على أمل التغيير بالبلاد التي ازداد الوضع فيها سوءا من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، ولم تعد تتحمّل أو تُطيق أكثر من ذلك، وهذا ما دفع رئيس الجمهورية أن يبحث في حلول ما يُسمّى المرحلة النهائية لعله يمسك بخيط رفيع يمكن أن ينقذه من حالة الإحباط التي يشعر بها الشعب التونسي بعد أن سانده في إجراءاته الأخيرة في 25 جويلية 2021م المتعلقة بالحياة السياسية في تونس، وخرج من قصر قرطاج ليتجول في بعض مؤسسات الدولة كالبنك المركزي ووزارة الفلاحة وغيرها من المؤسسات مما يوحي أن هناك أزمة حقيقية جادة ينبغي حلّها سريعا وإلا تحول الأمر إلى كارثة محلية.
تفاقم الأزمة و عجز الدولة
فالرئيس سعيّد يرى أن هناك من يفتعل الأزمات داخل البلاد الواحدة تلو الأخرى محاولا الإطاحة بنظامه ومستغلا الحالة الاجتماعية المتردية لإثارة الرأي العام وتهييج الشعب التونسي عليه من خلال سحب كثير من المواد الأساسية من السوق بل وفقدها في كثير من الأحيان مما أوجب تذمر المواطنين التونسيين ومطالبتهم الدولة بتوفيرها في أقرب الآجال، بل إن بعضهم عدّ تأخر الدولة في الاستجابة عجزا عن إدراكها الحلول في الوقت المناسب، بينما يرى بعض الشعب أن رئيس الجمهورية لا يملك من البدائل شيئا في الوقت الراهن وعليه إن بات عاجزا عن أداء مهامه أن يترك منصبه لمن هو قادر، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
لكن السؤال الذي يُطرح في هذا المجال، هل سيسمح الرئيس التونسي قيس سعيّد بإجراء انتخابات رئاسية في موعدها؟ وهل سيسمح للأحزاب السياسية بأن تشارك في هذا الاستحقاق الانتخابي الدوري أم أن هناك مفاجآت أخرى قد تحدث خلال الفترة القصيرة المقبلة وقد تُعيق إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، مثل حلّ بعض الأحزاب السياسية التي أرّق وجودها الطابع السياسي العام وأسهمت في بلبلة السوق السياسية في تونس وعكّرت مزاج الرئيس السياسي، أو العمل والاكتفاء بإجراء استفتاء على حكم الرئيس في الفترة الماضية والاقتصار على ذلك بدل إجراء انتخابات رئاسية جديدة نظرا لتكلفتها العالية وعدم وجود منافسة حقيقية في السوق السياسية.
وعلى أي حال فلن تكون الفترة المتبقّية كافية للاستعداد لانتخابات رئاسية جديدة لتعكُّر المزاج السياسي في البلاد وتأزّم الاقتصاد وتردّي الأحوال الاجتماعية، فلم يعد المواطنون راغبين في يسمى “انتخابات” بقدر ما هم راغبون في تحسين الوضع العام، وراغبون في حياة عادية يجد فيها المواطن التونسي المواد الأساسية دون إجهاد، ويجد فيها المواطن الأمن والأمان وذلك كلّ ما يبغيه الآن، فالسجال السياسي لم يعد يعنيه، والأحزاب والديمقراطية لم تعد تشغله وتُغريه، والأهم عنده اليوم ما يسد به رمق حياته ويجعلها هانئا في بلاده.
سباق مع الزمن
ومن ثم فإن الرئيس قيس سعيّد يسابق الزمن حتى يُقدّم للشعب التونسي ما يُبقيه على رأس الحكم في البلاد، فيحاول تأنيب المسؤولين والمحتكرين والفاسدين علانية وعلى الشاشات، ويسعى إلى إثبات أنه صادق في قوله وفعله، وأنه لن يترك هؤلاء يرتعون ويعبثون بمال الشعب وكان هذا شعاره يوم أن اُنتخِب رئيسًا للبلاد، ويوم أن أصدر قرارات جديدة وجريئة في 25 جويلية 2021، لكن يبدو أن اليد الواحدة لا تصفق، وأنه كان ولا يزال محتاجا إلى حاشية قوية تعمل من أجل البلاد ولا تخاف في ذلك لومة لائم، فالقرارات والمراسيم الرئاسية وحدها لا تكفي لإقامة العدل بل تحتاج إلى جنود لتنفيذها على أرض الواقع.
كما أن الرئيس محتاج إلى دعم دولي كاف حتى لا تسقط شرعيته في الداخل، فإذا لم هناك دعم خارجي مادي ومعنوي من خلال ما يقدمه للآخرين من تصورات استثنائية تحث المستثمرين على إقامة مشروعات مجزية ومجدية للاقتصاد الوطني الذي تعثر كثيرا وما زال يترنح تحت وطأة الفساد والفاسدين أو المفسدين بالأحرى فلن يحصل على ما يريد.
وغيرُ ذلك، فإن الوضع سيستمر في التدهور، وقد نشهد في الشهور القادمة ما لا يسرّنا جميعا، وقد تتبدّل الأوضاع العالمية وتتغيّر نحو الأسوأ وهو المتوقّع بعد الانقلابات العسكرية المتتالية التي شهدتها دول غرب افريقيا وأحدثت رجّة عظيمة في تاريخ السياسة الافريقية.
شارك رأيك