كل ابتداء هو تموقع ما .. وتحيز بمكان ما. لا يوجد العالم من حولنا إلا بالنظر إلى تموقعنا الأول. وتموقعنا هنا هو ابتداء من الغربة. لا تكون الحياة مسارا إلا إذا اشترعت نفسها على بعد ما وفي جهة ما وفي مدينة ما أو قرية ما .. فلا ترهنوا الحياة ببداية تريدونها كما تحبون .. في حين هي تريدكم بحيث تستهويكم فتهبون إليها من كل صوب. ليس البعد مكانا ولا جهة. ما البعد إلا فقدان لإحداثيات النفس. في ضياعكم بين المسافات ستعترضكم فرص أخرى ووجوه أخرى وحميميات جديدة ..
وستحملون ذكرياتكم بين أجنابكم في صمت لا يسمعه غيركم .. وستبنون آمالا وأحلاما لم تخططوا لها سابقا .. موقعكم اليوم هو ذاك الفضاء الذي ستبنونه فيما بينكم وبين تلاميذكم .. تلك الحميمية الجديدة التي ستجدون فيها أنفسكم معوَّلا لغيركم فلا تكونوا كالرسم الدارس قبل أن تبدؤوا.. مكانكم اليوم هو تقاسمكم للسؤال مع تلك العيون التي تنظر إليكم وبعضها يحلم وبعضها يعيش اليأس وبعضها ينتظر. املؤوا ذلك المكان بالإجابة عن الانتظار: أتيحوا الحلم سؤالا يستبق .. وأتيحوا الزمان دواما يستوقف .. وأتيحوا المسافات حركة تطوي المسافات .. يا أساتذة الفلسفة لستم كأي من الأساتذة: لأن ما تطالبكم به المدرسة وينتظره منكم المجتمع هو بكل بساطة معجزة تكوين العقل، وتوجيهه، ونقده وتأسيسه ومراجعته والشك فيه والتظنن عليه .. كل ذلك وأنتم بلا تجربة ولا دربة . فلا تكونوا أقل من المعجزة.
- محمد ابو هاشم محجوب
شارك رأيك