الإشكال من وراء تقسيم البلاد التونسية إلى أقاليم لا يكمن في التقسيم في حد ذاته بل في الصلاحيات التي ستتمتع بها هذه الأقاليم وإلى أي مدى يمكنها أن تمثل قوة اقتراح من أجل تغيير واقع التنمية الجهوية بالبلاد وضمان أكثر ما يمكن من توازن بين الجهات من أجل ومستقبل أفضل.
بقلم الأستاذ مراد بن جلول
لأول مرة في تاريخ تونس يتم إحداث أقاليم مؤسساتية تحمل صفة الجماعة المحلية التي تتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية علما وان أول تقسيم إقليمي للبلاد تم سنة 1922 ولكن لم يقع تفعيله.
الإشكاليات التي كان يطرحها موضوع تقسيم البلاد إلى أقاليم
طرح عديد الباحثين عدة إشكاليات يمكن ان تنجر عن تقسيم البلاد إلى أقاليم. أولا مسألة عاصمة الإقليم وما يمكن ان تتسبب فيه من مشاكل بين الولايات وثانيا مسالة التقسيم في حد ذاتها وتجميع بعض الولايات مع بعضها مع الخطر الذي يمكن ان يتسبب في عودة النعرة القبلية وتغذية فكرة الجهويات.
الثوابت التي تم اعتمادها في هذا التقسيم هي التالية
اعتمد التقسيم الإقليمي الذي تم اعتماده على عدد من الثوابت أهمها المحافظة على التقسيم الحالي للولايات وخاصة على حدودها الترابية، ضمان الوحدة الترابية للإقليم وبالتالي تكونه من ولايات متلاصقة جغرافيا، وضرورة تواجد مدينة كبرى لتلعب دور الحاضرة الإقليمية.
التقسيم الإقليمي وما يثيره من ملاحظات
تم تقسيم البلاد التونسية الى 5 أقاليم تتوزع جغرافيا بالشمال (إقليمان) والوسط والجنوب (ثلاثة أقاليم).
ومكن هذا التقسيم من تجاوز المخاوف التي كانت مطروحة من خلال عدم إعطاء أي أسماء للأقاليم والاكتفاء بترقيمها، عدم تعيين عاصمة للإقليم والتداول فيما بين الولايات عند عقد الاجتماعات كل ستة أشهر لتجنب إثارة الخلافات بين الولايات وأخيرا دمج ولايات ساحلية مع ولايات داخلية وبالتالي ضمان التمازج بينها داخل كل إقليم.
– الإشكال الرئيسي يتمثل في إدماج ولاية سليانة داخل الإقليم الثالث وهي أقرب منطقيا للإقليم الأول أو الثاني. ويمكن تبرير هذا القرار بسبب موضوعي يتمثل في تواجد تراب معتمدية الروحية وهي تابعة لولاية سليانة ضمن المجال الجغرافي الذي يمتد فيه الإقليم الثالث. بحيث لو تم الإبقاء على ولاية سليانة ضمن الإقليم الأول او الثاني لأصبح الإقليم الثالث غير متواصل جغرافيا وغير موحد وحسب رأيي هذا ما يبرر إلحاق سليانة بالإقليم الثالث.
– شخصيا كنت قد اقترحت تقسيما يتقارب كثيرا مع ما تم اعتماده في أمر 589 في مقال علمي صدر في مؤلف جماعي يمكن الاطلاع عليه في الرابط التالي.
المقترح الذي قدمته يضم 4 أقاليم فيه تطابق كامل بالنسبة للإقليمين 4 و5 وتطابق كبير مع الإقليم 3 (باستثناء سليانة) وكنت اقترحت ضم معتمدية الروحية لولاية القصرين لضمان الوحدة الترابية للإقليم. الاختلاف الوحيد يتعلق بالإقليم الأول والثاني إذ انني اقترحت إقليما واحدا.
الأقاليم التونسية حسب الأمر عدد 589 لسنة 2023 (أنظر الصورة أعلاه)
لماذا نقسم البلاد إلى أقاليم
تقوم فلسفة “أقلمة” المجال على فكرة أن التنمية الترابية يجب ان يخطط لها الفاعلون المحليون من هياكل منتخبة ومنظمات وهياكل مهنية وغيرها من الفاعلين لأن هؤلاء هم الأقرب لمعرفة حاجياتهم والأجدر بتحديد رؤيتهم للمستقبل أكثر من السلطة المركزية وباعتبار اننا نتحدث على تخطيط استراتيجي بعيد المدى فالمجال الترابي يجب ان يتجاوز البعد المحلي ليشمل ترابات كبرى ليس بالضرورة ان تكون متجانسة لكن المهم ان تضم مراكز حضرية كبرى لتلعب دور الحواضر الإقليمية من أجل النهوض بكامل الإقليم.
في تقديري الإشكال لا يكمن في التقسيم في حد ذاته بل في الصلاحيات التي ستتمتع بها الأقاليم وإلى أي مدى يمكنها أن تمثل قوة اقتراح من أجل تغيير واقع التنمية الجهوية بالبلاد وضمان أكثر ما يمكن من توازن بين الجهات من أجل ومستقبل أفضل.
أستاذ تعليم عال بجامعة تونس.
شارك رأيك