في هذه المرحلة تحتاج تونس إلى كل قواها الحية التي لم يثبت تآمرها على الوطن و إلى وقفة مراجعة جماعية تقلل من الفرص الضائعة و من الخسائر الحاصلة على كل المستويات و لم تعد تحتمل الإصرار على مزيد القفز بلا مظلة في الهواء كما يفعل السيد الرئيس قيس سعيد منذ 25 جويلية 2021.
بقلم أحمد الحباسي
من عجائب الثورة التونسية أنها ولدت من سفاح و لا أحد يتبناها إلا هؤلاء المتاجرون بالإسلام أو بعض لقطاء السفارات و دكاكين بيع الشرف التي أنشأتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لتدريبهم على كيفية إثارة الفوضى و بث الإشاعات و تضليل الرأي العام و جعلتهم يتخرجون منها برتبة عميل أو مندس أو إعلامي فاسد أو ناشط مدني مزيف.
بطبيعة الحال في زمن قذر باتت فيه الضمائر مطروحة للكراء و البيع مثل الشقق المفروشة ستكتشف عزيزي المتابع أن أول من دخل هذه الدكاكين المشبوهة و السفارات المتآمرة و قبض الثمن هو أول من خان و باع تراب الوطن دون حمرة خجل أو دون أن يرف له جفن فالعملاء يخلقون بلا ضمير و لا نخوة و لا شهامة.
بالمقابل عجبي أن يستمر سيادة الرئيس قيس سعيد الذي جاء ليقف ضد الخونة و العملاء في نفس الطريق المسدود مرددا نفس الأماني و التحذيرات مستعملا نفس العبارات حالما بنفس الأحلام التي تتحول مع مرور الوقت إلى كوابيس لأن الدولة لا تبنى من فراغ و لا يكفى لقيامها إعلان ولادتها على الورق.
لقد اقترحنا على سيادته مرارا و تكرارا ما يسمى بمنطق التنازلات المتبادلة و لغة منتصف الطريق، لغة لا مكان فيها لانتصارات كاسحة ينتج عنها شطب الآخر و لا تحتمل هزائم ساحقة يترتب عنها الاستقالة و الانسحاب تماما كما يحصل مع بعض المنظمات الوطنية الوازنة مثل الاتحاد العام التونسي للشغل.
القفز بلا مظلة في الهواء
كنا جازمين أنها معادلة صعبة نظرا “لصحة رأس” السيد الرئيس و تعنته و قلنا أنها معادلة خطيرة تستلزم رجال دولة بامتياز خاصة بعد أن أصبح الوطن محملا بالكثير من الأسئلة و المخاوف. أسئلة عديدة تبدو أكثر من ضرورية في هذه المرحلة التي تحتاج فيها القوى الحية التي لم يثبت تآمرها على الوطن إلى وقفة مراجعة جماعية تقلل من الفرص الضائعة و من الخسائر الحاصلة على كل المستويات و لم تعد تحتمل الإصرار على مزيد القفز بلا مظلة في الهواء كما يفعل السيد الرئيس قيس سعيد بوعي أو بدونه.
لقد أكدنا أن الخروج من هذا المأزق لا يتم بالمراسيم و لا بتركيز المنظمات الأهلية و لا بتحوير الأقاليم و لا بالتدخل في السر البنكي و لا بالتجول في الإحياء الوسخة و دخول بعض المغازات بحثا عن المواد التموينية المفقودة و لا باجتماعات الصم و البكم مع الوزراء و لا بإطلاق بعض الخراطيش المبللة تجاه بعض الدول أو المنظمات الدولية بل بإعطاء الفرصة للحوار و لو بالحد و الوقتي الأدنى.
لعل أكثر الأخطاء مرارة هو التفاف السيد الرئيس على الديمقراطية و تشويه مضامينها كل ذلك لقمع الأصوات الوطنية المعارضة بالإستقواء بما انتزعه انتزاعا من سلطات وصولا إلى الاستفراد تدريجيا بالحكم معطلا بذلك بناء المؤسسات الديمقراطية و من بينها المحكمة الدستورية و المجلس الأعلى للقضاء و الهيئة العامة للانتخابات مكتفيا بهياكل صورية محلها.
لا يكفّ سيادة الرئيس في كل زياراته الفارغة المضمون على انتهاك الدستور و القانون و حرية التعبير مرددا نفس الاتهامات دون دليل مقنع متجاهلا أن ذلك يدخل في باب هتك الأعراض و الإيهام بجريمة و التعدي على السلطة القضائية و خرق حقوق الدفاع والحق في محاكمة عادلة معرضا موقع الرئاسة إلى صفعات متتالية لعل أهمها نقض المحكمة الإدارية لكافة قرارات إعفاء القضاة وموغلا في سوء التصرف و الحكمة بالإيعاز إلى حكومته بعدم تنفيذ الأحكام القضائية الآمرة بإرجاع القضاة الموقوفين.
مزيد من الفشل و الإخفاق و ضياع الوقت
ربما يظن سيادته أن تونس بفضله تسير نحو التغيير المنشود و تقترب من الخط السوي لكن الجميع يعلم أن القرارات التي تعكّز عليها سيادته و الشعارات الفضفاضة التي يطلقها في الهواء هدفها واضح وهو الوصول إلى ولاية رئاسية ثانية و لذلك يقوم بإجراء تصفية متعمدة للأصوات المعارضة و يكفي التذكير بعدد الإيقافات التي طالت نشطاء الرأي و حرية التعبير يضاف إلى ذلك استحداث أحد المراسيم الزجرية الأقوى منذ الاستقلال و هو المرسوم عدد 54 لسنة 2022 و الذي يمثل قفزة نوعية في السلم الزجري القانوني.
كانت النتيجة لكل ما سبق مزيدا من الفشل و الإخفاق و ضياع الوقت و تصاعد نسبة النفور بحيث لم تنفع كل تصريحات سيادة الرئيس و لا ضجيج زياراته الفارغة المضمون لستر عورات و مساوئ التمشى الرئاسي خاصة و قد صاحبها تصاعد نسق الاحتكار و ندرة المواد التموينية و اضطراب مشبوه في قطاعي الكهرباء و التزود بالماء الصالح للشراب يضاف طبعا إلى اضطرار آلاف المواطنين إلى “الحرقة” نتيجة شعور متصاعد بانسداد الأفق و فشل حكومي غير مسبوق و رؤية رئاسية عرجاء.
لقد تلاشت أحلام البسطاء بعدالة نسبية و مساواة تحقق مستوى معيشي يحفظ الكرامة إلى غير ذلك من الإجراءات الضرورية التي من شأنها الحد من مستوى الفقر و الحرمان. لذلك نذكر أن مستقبل الأوطان لا يبنى بحجارة الماضي و عبور زمن العواصف مرهون بقدرة رجال الدولة و ليس برجال التلاعب بمصائر الأوطان.
نؤكد مرة أخرى أن التاريخ سير و عبر و الزعماء الذين أطلقوا الشعارات عبر التاريخ هم من هزموا لأن العبرة لا تكون إلا بالعمل و لا غير العمل.
ناشط و محلل سياسي.
شارك رأيك