يبدو أن النظام قد بات يسبح في المجهول و أنه افتقد للمرونة و الحنكة السياسية كما يبدو جليّا أن السيد الرئيس قيس سعيّد لا يؤمن بالحق في المعارضة و بكل ما تتطلبه اللعبة الديمقراطية في هذا المجال و بإيقاف السيدة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر قد وضع الجميع في سلة واحدة مطبقا عليهم رؤيته الغامضة و المشوشة بكونهم مجرد كمشة من الرعاع و السرّاق و الخونة و العملاء كل ذلك للإيحاء بكونه “النظيف” الأوحد في تونس و القادر الأوحد أيضا على قيادتها و إنقاذها من هؤلاء “المنحرفين” الذين يضمرون لها الشر.
بقلم أحمد الحباسي
بطبيعة الحال تصرف السيد الرئيس تصرف غوغائي و خطره أنه يضيع على البلاد و العباد وقتا ثمينا تحتاجه لرتق الفجوة الاقتصادية السحيقة التي رمتها فيها حركة النهضة و زبانيتها طيلة عشرية كاملة من التخريب و نهب المال العام و نشر الفوضى الإرهابية الدموية.
لعل من يتابع حيثيات إيقاف رئيسة الحزب الدستوري الحر قد تفطن إلى أن التهم الموجهة إليها مضحكة و مثيرة للسخرية و لا تذكره إلا بأيام الاستبداد التي مارستها عدة أنظمة ديكتاتورية في عدة بلدان و من بين هذه التهم المثيرة للاستهجان تهمة “التعرض لحرية الشغل”.
طبعا الجميع على علم بأن هناك من “حرّك” النيابة العمومية و من طالبها باختلاق جملة من الاتهامات و من وجهها لاعتبار تلك “التهم” المختلقة موجبة للإيقاف التحفظي خدمة لطرف مستفيد وحيد يتعامل مع الجميع بمنطق “أضرب القطوسة تخاف العروسة” و هو منطق عقيم سقيم كان من نتائجه ما حصل من ثورات و تدافع شعبي في تونس و مصر لإسقاط تلك النظم التي استباحت كل القيم و المبادئ لمجرد البقاء في الحكم.
تهم مضحكة و مثيرة للسخرية
لقد أثبتت الصور التي بثت عن حادثة إيقاف السيدة عبير موسي أن هناك في القصر من سعى عن سوء نية إلى منعها من الحصول على وصل التوصل بوثيقة التظلم المطلوبة لتقديم التشكي أمام المحكمة الإدارية و هناك من صعّد النقاش لغاية اختلاق واقعة “التعرض إلى حرية العمل” و واقعة “التعرض لموظف أثناء مباشرته للعمل” و واقعة “إثارة الهرج في مكان سيادي”.
لا يمكن الحديث عن إيقاف السيدة عبير موسي دون إلقاء الضوء على موضوع مهم يتعلق بكون وضعها في نفس السلّة مع بقية الأحزاب أو الرموز السياسية هو خطأ سياسي تقديري هذا إذا اعتبرنا أن للرئيس بعضا من حسن النية في التعامل مع خصومه.
السيدة عبير موسي من الممكن أن تحمل رأيا يحتمل الصواب و الخطأ في إدارة شؤون البلاد و في علاقتها مع بقية الأحزاب و الشخصيات السياسية الأخرى لكنها تقوم فقط بدور معارض للسلطة و لكل من يخون البلاد و يتآمر مع الدول الأجنبية و رغم ما توفر لحركة النهضة لما كانت في الحكم و للسيد الرئيس الحالي فإن كل الأبحاث و التحريات و أجهزة الرقابة لم تثبت بصورة قطعية فسادها أو ما يمكن مؤاخذتها عليه بخلاف قيادات حركة النهضة و كثير من المسؤولين الآخرين الذين تولوا شؤون الدولة على عدة مستويات بما فيهم شخصيات عينها الرئيس قيس سعيد في مواقع المسؤولية مثل والى قابس و نابل و تمت إقالتها بعد خراب مالطا.
إذن لا يمكن مقارنة متهم بالفساد بشخص معارض مثل هؤلاء الذين يقبعون في السجون بفعل تدخل الرئيس في القضاء و نتيجة لمطالبة الشعب بمحاسبتهم.
سياسة ترهيب الخصوم و تلجيم الأفواه
هناك إجماع على أن تعدد الاعتقالات في صفوف رجال الإعلام و السياسة آخرها ضد رئيسة الحزب الدستوري الحر هو تصرف أهوج و عقيم يندرج في إطار ترهيب الخصم السياسي و تلجيم الأفواه و فرض الرأي الواحد و لو باستعمال العصا الأمنية المتهورة.
ليس هناك من يقبل بالرأي القائل أن السيدة عبير موسي و مهما حصل من خلاف أو بادرت به من تصرفات أو تصريحات تستحق الإيقاف لمجرد أنها تواجدت بمرفق عام و طالبت بحقها في أن تتم معاملتها كمواطنة قبل أن تكون رئيسة حزب يشكل رقما صعبا في المعادلة السياسية التونسية.
صحيح أن إصرار هذه السيدة و علوّ كعبها السياسي قد جعلها قبلة كثير من المنتسبين الذين يرون فيها صدقا و عزيمة و تحديا لا يلين و جعل حزبها في الطليعة كما هو صحيح أنه و رغم تعرض “نقطها التنويرية ” إلى عمل قطع بث و حجب قد توصلت إلى استقطاب الكثيرين بمن فيهم من خابت آمالها أثناء حكم النهضة و حكم الرئيس قيس سعيد لذلك فقد كان متوقعا أن تعمد أجهزة السيد الرئيس إلى تلك المسرحية البوليسية درجة عاشرة لإيقاف هذه السيدة خدمة لما يمكن اعتباره في نظر كثير من المحللين و أجهزة الإعلام العالمية تواصلا لمشروع الاستبداد و الحكم الفردي المطلق.
من يزرع الرياح سيحصد الندم
لا يستبعد البعض أن يميل الرئيس قيس سعيد إلى مواصلة نهج الإقصاء و الاجتثاث و صم الآذان بعد أن اقتنع اقتناعا مغلوطا أن السلطة قد دانت له برقابها و أنه قد أصبح بجرة قلم “دستورية” رئيسا منفردا مستفردا بكل السلطات و لعل نرجسية الرئيس و غروره كبشر ستدفعه إلى مزيد من القرارات غير المحسوبة و التي ستقوى شوكة معارضيه و إذا كان الرئيس لم يقتنع أو ينتبه أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة فالظاهر أن الرجل قد بدأ مسيرة التيه السياسي الذي يقود صاحبه إلى نهايته السياسية التي لا تختلف على نهايات كبار المستبدين و الدكتاتوريين الذين لفظهم الشعب و التاريخ فباتوا نسيا منسيا بعد أن ظنوا فى لحظة خداع ذهنية أنهم سيخلدون في التاريخ.
إن إيقاف السيدة عبير موسي و إهانة الآلاف من أنصارها هو استمرار لسياسة كسر العظم التي يتبعها الرئيس مع هذه القائدة السياسية منذ أن تعرضت للعنف داخل البرلمان دون أن يقوم حتى بمواساتها كما فعل عند الاعتداء على النائبة سامية عبو لذلك نقول من يزرع الرياح سيحصد الندم.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك