بعد إلقاء عبير موسي في السجن و استفراد الرئيس قيس سعيد بناصية الحكم و المعارضة، كل الدلالات تشير إلى أن الأمور في تونس ذاهبة نحو مزيد من التعقيدات السياسية وان السنة الحالية ستكون فعلا أصعب بكثير من السنوات التي سبقتها وان الخاسر الأكبر سوف يكون بالتأكيد الشعب التونسي بكل أطيافه.
بقلم رؤوف الشطي
في أول وآخر المطاف، الموضوع يتمحور حول معركة على كرسي رئيس الجمهورية في قصر قرطاج… أي حول السلطة والحكم غاية ووسيلة…، تحسبا للانتخابات الرئاسية المقبلة التي تفصلنا عنها عدة أشهر…
رئيس الجمهورية يرى انه منقذ البلاد والعباد وانه المؤهل الأفضل لحماية البلاد والنهضة بها وتامين مناعتها باالذود عن سيادتها والالتصاق بطلبات شعبها المشروعة في حين أن عبير موسي تعتقد أن مشروعها هو الأفضل وانها الوحيدة القادرة فعلا علي تحقيق كل ذلك… وتدعو بقوة الي التناوب علي السلطة…
ومن الواضح ان الطرفين شرعا بعد في استخدام كل الوسائل : الشرعية، القانون، الشعب، الكاريزما، الذكاء، الحضور، الانجازات… كل طرف حسب ما يتيحه له وضعه القانوني والسياسي لتحقيق الهدف، طبقا لمنظوره ولرؤاه…
بالنسية لرئيس الجمهورية، يتم تحقيق المطلوب باستغلال كل الموارد المتاحة بالإضافة الى سلطان الدولة، لتامين بقائه في الحكم لولاية ثانية وهو الذى يرى نفسه الأحق بها من أي كان لتنفيذ مشروعه السياسي وتحقيق ما يطلق عليه هو نفسه أهداف الثورة وذلك بعد ان فشل الذين سبقوه فشلا ذريعا في إدارة شؤون الدولة وتحقيق مطالب الشعب…
وبالنسبة لخصيمته السياسية الأستاذة عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، يتم ذلك باستغلال كل مواهبها… وقد وضعت قرطاج بقوة نصب عينيها، و الرئيس في مرماها وعزمت علي بلوغ دفة الرئاسة كلفها ذلك ما كلفها من معارك سياسية ضده مهما كانت ضراوتها…، وقد شرعت في المعركة منذ مدة بعد ان نجحت في كسر شوكة الإخوان المسلمين… ونقلت معركتها ضده…
لا يشك عاقل ان الشعب لفظ في السنوات الأخيرة مجمل السياسين معتبرا إياهم رمز العجز و الفشل وقد انسحب جلهم في صمت وخلت الساحة السياسية تماما من أي وجه اعتباري مشع او شخصية سياسية بارزة قادرة علي تعبئة الجماهير وعلى منافسة ومزاحمة رءئيس الجمهورية علي كرسي الرئاسة ما عدى الأستاذة عبير موسي التي اكتسحت الساحة في السنوات الأخيرة بفضل ذكائها وسعة ثقافتها والتزامها وحضورها البارز و نضالاتها ومخططاتها وعملها الدؤوب والمتواصل وعزمها وشجاعتها، وهي التي عرفت عندما اختفي كل الدساترة والتجمعيين بعد سقوط حكم الرئيس بن علي كيف تستثمر بذكاء في الموروث السياسي الكبير لحزب الدستور و في الفلسفة السياسية للزعيم الحبيب بورقيبة وكذلك في الحصيلة الكارثية للأحزاب التي حكمت البلاد طيلة العشرية الأخيرة وعلي رأسها حركة النهضة ومشتقاتها…
هي ترى انها كانت المحرك الأساسي الذي فجر حراك 25 جويلية 2021 الشعبي الذي اكتسح بقوة كامل البلاد ضد حزب الإخوان الحاكم آنذاك والذي كان الدافع الأساسي الذي وفر الفرصة الذهبية للرئيس قيس سعيد لحل البرلمان اعتمادا علي الدستور، مؤذنا بانتهاء حزب الإخوان المسلمين في تونس واندثارهم من الساحة السياسية ودخول البلاد في حقبة سياسية جديدة تحت قيادته.
في هذه المعركة اللا متوازنة بين رئيس الدولة ورئيسة الحزب الدستوري الحر، ذكاء عبير موسي وشجاعتها وحنكتها وفهمها لإكراهات السياسة ودرايتها بشخصية رئيس الجمهورية لم يكونوا كافين لفهم شخصية رئيس الدولة و للخروج بسلاسة من المازق التي وضعت نفسها فيه بملامستها مباشرة قصر قرطاج أين وضعت نفسها أمام سلطان الدولة.
من منظور رئيس الجمهورية، الموضوع الأصلي والهدف المقصود من طرف عبير موسي بحضورها بصفة شخصية الى القصر الرئاسي يتعدي إيصال رسالة الى رئيس الجمهورية بصفة رسمية ليصل الي التطاول علي الدولة في عقر دار الدولة اي مقر رئاسة الجمهورية التي يتقمصها رئيس الجمهورية… وهو يعتبر هذا العمل ضربا من الاستفزاز الذي لا يسمح به لأي كان…
في عقل وذهن وفلسفة قيس سعيد، بتجرؤها علي ملامسة قصر قرطاج قلب الدولة ورمز سلطتها وسلطانها، تجاوزت عبير موسي كل الخطوط الحمراء وكان لا بد للدولة من ان تمارس صلاحيتها باعتبار عبير موسي مواطنة كغيرها من المواطنين وان في إيقافها احتراما لهيبة الدولة التي تدافع هي بقوة عنها حتى لا يتجرأ أي كان من هنا فصاعدا ومهما كان مركزه و بأي صفة كانت علي الدولة ولا علي سلطانها.
والآن وقد حصل ما حصل وتم إيقاف عبير موسي تتبادر إلى الذهن أسئلة عديدة يمكن ان نطرحها كما يلي:
1- بفراغ الساحة السياسية من أبرز الوجوه (عدد منها قيد الاعتقال منذ فيفري 2023 بتهمة التخابر مع جهات اجنبية لتبديل الهيئات الرسمية والشرعية والتآمر علي أمن الدولة) وإيقاف عبير موسي هل يكون رئيس الجمهورية فتح الباب أمامه واسعا وأمن ولاية رئاسية ثانية أم أن الرياح ستجري بما لا تشتهي السفن خصوصا وان الآوضاع الداخلية تعيش أزمات اقتصادية ومالية واجتماعية وسياسية غير مسبوقة وان الساحة الإقليمية ترزح تحت عدم الاستقرار والأزمات المعقدة؟
2- كيف يقرأ رئيس الجمهورية منسوب شعبيته اليوم وهو يعلم جيدا ان الشعب التونسي شعب متقلب وصعب المراس متغير المواقف… ولا تهمه الا مصلحته الشخصية ومصلحة أبنائه… وقد أظهر ذلك علي امتداد تاريخه… أو ليس هو شعب “الله ينصر من أصبح” كما كانوا يقولون وقت البايات؟
3- هل ستعيش البلاد ونحن على مشارف سنة انتخابات رئاسبة جديدة (أوت/ سبتمبر 2024)على وقع السينارو التي رافق الانتخابات الرئاسية سنة 2019 حيث كان المرشح الثاني للدورة الرئاسة الثانية رهن الاعتقال والمقصود هو نبيل القروي… أمام المرشح الآخر وهو قيس سعيد؟
4- ماذا سيكون مستقبل الحزب الدستوري الحر اذا ما تواصل اعتقال زعيمته وهي التي اختزلت الحزب في نفسها ولم يعرف عنها إبراز شخصيات في الحزب قادرة علي تعبئة جماهير الدساترة كما تفعله هي… وتكون بذلك قد قدمت هدية كبري الي السيد قيس سعيد أسوة بالهدية التي قدمها له راشد الغنوشي الذي اقترف نفس الخطأ في حركة النهضة عندما استحوذ علي كل السلطات ولم يري فائدة في إعداد شخصية قادرة على لم الشمل وخلافته علي راس الحزب؟
كل الدلالات تشير إلى ان الأمور ذاهبة نحو مزيد من التعقيدات السياسية وان السنة الحالية ستكون فعلا أصعب بكثير من السنوات التي سبقتها وان الخاسر الأكبر سوف يكون بالتأكيد الشعب التونسي بكل أطيافه الا انه رغم كل شيء يبقي الأمل موجودا وقادرا علي تجاوز كل الصعاب اذا ما تم تغليب لغة الحكمة والحوار ونبذ الخلافات الظرفية وهذا ممكن قبل الانتخابات الرئاسية في إطار حوار وطني حقيقي يقوده رئيس الجمهورية مع الأطراف السياسية الوطنية للخروج بالبلاد من العتمة والانكباب الفعلي علي الإصلاحات الكبري بعيدا عن الشعبوية والغوغاء…. وهذا ما يطلبه الشعب اليوم بقوة وأكثر من أي وقت مضى…
سفير سابق.
شارك رأيك