معركة طوفان الأقصى قد أثبتت وهن القوة الإسرائيلية المعتمدة على ترسانة السلاح الأمريكي الذي داسته أقدام المقاومة الفلسطينية لتضع إسرائيل لأول مرة في تاريخها في حالة دفاع بائسة تستجدى الحماية الأمريكية و تتلقى خسارة جسيمة و غير مسبوقة في عدد الأرواح و الأسرى و المصابين.
بقلم أحمد الحباسي
لم تنفع القبة الحديدة التي أهدتها الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل لحمايتها كلّيا من هجمات الصواريخ و لم تنفع أعداد العملاء و منهم من الفلسطينيين أنفسهم الذين زرعهم جهازى الشاباك أو جهاز الشين بيث المكلفين بجمع المعلومات داخل غزة حول نشاط المقاومة الفلسطينية و لم تنجح وكالة المخابرات الأمريكية المزودة بصور الأقمار الصناعية و لا جهاز الموساد الصهيوني الذي يتبجح الإسرائيليون بكونه من أكثر أجهزة المخابرات فعالية في العالم… كما لم تنجح بعض أجهزة المخابرات العربية المتعاملة دائما مع إسرائيل و بما فيها المخابرات التركية في اكتشاف ما تحضره و تنجزه سواعد و عقول المقاومة الفلسطينية من مفاجئات شكلت و ستشكل أحد الإنجازات العسكرية غير المسبوقة في تاريخ العلوم العسكرية و التي ستدرّس مستقبلا في كل الكليات العسكرية.
لن نقوم بالدخول في تفاصيل المفاجأة الصاعقة التي ضربت القيادة السياسية و العسكرية الصهيونية لسبب بسيط أنه لا أحد من المحللين العسكريين الذين تناوبوا على مساحات وسائل الإعلام في العالم قد استطاع فهم ما جرى و كيف استطاع بعض المقاومين الذين تمنع عنهم إسرائيل كل المواد المطلوبة صنع هذا الكم الهائل من الصواريخ و الطائرات المسيّرة الذي انهال على كافة المدن الإسرائيلية تقريبا محدثا دمارا و هلعا و رعبا في قلوب المحتلين.
نهاية أسطورة الجيش الذي لا يقهر
لن نقوم أيضا بالدخول في تفاصيل اختراق الجدار الفاصل بين قطاع غزة و ما يسمى بغلاف غزة من الأراضي المحتلة و كيفية الاستيلاء على عدة قطع عسكرية و أسر طواقمها و أغلبهم تحت مفعول الصدمة و سوقهم في ملابسهم الداخلية في مشهد مهين و مذلّ سيبقى عالقا في أذهان القيادات الصهيونية ليضرب نهائيا أسطورة الجيش الذي لا يقهر التي طالما سوّقها الإعلام العالمي و التي ضربها حزب الله في مقتل سنة 2006 و أدت التحقيقات العسكرية أثرها إلى إقالة وزير الدفاع و رئيس الحكومة و كبار الضباط في الجيش و المخابرات.
لعل أهم الاستنتاجات الأولية التي يمكن الإشارة إليها هو فشل الاستخبارات الإسرائيلية في معرفة تفاصيل الخطة المعقدة التي وضعتها المقاومة الفلسطينية و التي مكنتها من القيام بعبور آخر بعد عبور الجيش المصري سنة 1973 و في تزامن لافت مع حرب 6 أكتوبر 1973 و هذا الفشل الذي بدأ يطبع عمل هذا الجهاز و يدفع القيادة الصهيونية خاصة بعد الفشل الذريع في تقدير قدرات حزب الله العسكرية و عدم القبض على أمينه العام السيد حسن نصر الله منذ سنة 2006 إلى الآن إلى التساؤل الحائر في دراسة عنوانها “الاستخبارات الإسرائيلية إلى أين؟”، هذه الدراسة أكدت تفوق حزب الله على الجيش الصهيوني في مجالات الاستخبارات و الإستراتيجية و ظهور ما يسمى بالثقوب السوداء التي تجعل جهاز المخابرات لا يوفر المعلومات الحينية و الصحيحة للمؤسسة العسكرية و السياسية لاتخاذ التدابير و القرارات الهامة.
المقاومة الفلسطينية كسبت معركة الاستخبارات
لعل من يتابع وسائل الإعلام الصهيونية يدرك مرة أخرى أن هناك أسئلة و هناك تخوفات و هناك شبه اقتناع بأن حركة المقاومة الفلسطينية قد كسبت معركة الاستخبارات بشكل باهر و غير مسبوق.
إسرائيل في حالة حرب، هكذا صرح رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتانياهو، بصرف النظر على أن هذا القرار قد جاء بعد أكثر من 12 ساعة من صدمة عملية طوفان الأقصى و هو يحدث تقريبا للمرة الثانية فى تاريخ الكيان الغاصب فإنه من الواضح أن حالة العمى التي تعيشها المخابرات الصهيونية ستجعل من الصعب على الرجل اتخاذ القرارات و تحديد الأهداف العسكرية المناسبة خاصة و أن كتائب القسام الذراع العسكرية لمنظمة حماس قد أعلنت أنها قامت بتوزيع الأسرى الصهاينة على كامل مساحة غزة بما يجعل الضربات الجوية خطرا محدقا بهم كما أن هذا القرار سيكون باهظ الثمن شعبيا خاصة و أن حكومة بنيامين نتانياهو تعانى من تصدع كبير.
لعل الجميع مدركون أن رئيس الحكومة الصهيوني لن يسكت و سيقوم بتوجيه ضربات جوية تستهدف البنية التحتية الفلسطينية و لعل المتابعين يدركون أن العقيدة الصهيونية تعتبر أن الإقرار بالهزيمة أو بالفشل هي مقدمة لانهيار إسرائيل لكن و بالمقابل فان الكثيرين يدركون هذه المرة أنه و رغم اختلال توازن القوى العسكرية فان المقاومة مستعدة للمواجهة.
هل جاء زمن الانتصارات العربية ؟
لا يمكن أن نتحدث عن صدمة معركة طوفان الأقصى دون إغفال تصريح الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي الذي عبّر صراحة عن وقوف إيران إلى جانب المقاومة و هو موقف ذو دلالات واضحة يفهمها العدو جيدا و هذا التصريح يتزامن مع تصريح لافت للسيد هاشم صفى الدين رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الذي أكد أن الحزب سيكون أين يجب أن يكون و أن ما قامت به المقاومة الفلسطينية يثبت أن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت و أن عصر الهزائم العربية قد ولّى و قد جاء زمن الانتصارات.
ربما وضعت أمريكا الاستعمارية قوتها العسكرية تحت تصرف ربيبتها إسرائيل و أرسلت حاملات طائراتها قريبا من سواحل غزة من باب التهديد و لكن الجميع يعلمون أن أمريكا قد انتهت بل أن معركة طوفان الأقصى قد أثبتت وهن القوة الإسرائيلية المعتمدة على ترسانة السلاح الأمريكي الذي داسته أقدام المقاومة الفلسطينية لتضع إسرائيل لأول مرة في تاريخها في حالة دفاع بائسة تستجدى الحماية الأمريكية و تتلقى خسارة جسيمة و غير مسبوقة في عدد الأرواح و الأسرى و المصابين.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك