لعلها مصادفة غريبة أن يتزامن عرض فيلم “غولدا” للمخرج الإسرائيلي جاى ناتيف الذي يروى و على الطريقة الصهيونية الكاذبة بعضا من الأحداث العصيبة المهمة التي عاشتها رئيسة وزراء الكيان الصهيوني السابقة غولدا مئير طيلة ثلاثة أسابيع خلال حرب أكتوبر 1973 مع ما يجرى فى غزة اليوم و على كافة مساحة الأرض الفلسطينية المغتصبة.
بقلم أحمد الحباسي
لعل الأحداث الجارية في غزة و ما يسمى نفاقا بغلاف غزة تتشابه في كثير من الجزئيات و التفاصيل مع ما حدث في حرب أكتوبر 1973 سواء من حيث عنصر المفاجأة المدوي الذي ميّز عملية العبور و تحطيم خط بارليف الحصن الحصين الذي ظنت القيادة العسكرية الصهيونية أنه غير قابل للاختراق أو عملية نسف و اختراق الجدار الألكتروني الذي كلف الخزانة الصهيونية الممولة أمريكيا ما يزيد عن مليار و مائتي ألف دولار و الذي ظن العدو أنه سيحميه إلى الأبد من الهجمات الجهادية الفلسطينية أو و من جانب آخر فشل المخابرات الصهيونية الذي أدى إلى حدوث العبور و عجز القيادة الصهيونية على تفادى الضربة المصرية التي كلفت إسرائيل خسائر فادحة غير مسبوقة في الأرواح و العتاد و هو نفس ما حدث عند بداية عملية “طوفان الأقصى” التي كلفت إسرائيل أكثر من 1500 قتيل و هو رقم مفزع ليهود إسرائيل.
مصادفة أخرى تتعلق بدور الولايات المتحدة الأمريكية و مساندتها المطلقة للكيان الصهيوني بحيث أثبت الفيلم حالة الرعب و الارتباك الجنوني الذي أصاب القيادة السياسية و العسكرية في حرب أكتوبر 1973 الأمر الذي دفع رئيسة الوزراء غولدا مئير إلى الاستنجاد الفوري بوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر بصفته صهيونيا معلنا لمناشدته الضغط على الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون الذي كان يعانى في تلك الفترة إرهاصات عملية فضيحة “وترغييت” الشهيرة لإرسال جسر جوى عسكري لإنقاذ إسرائيل و هذا التشابه موجود في عملية طوفان الأقصى إذ استنجد رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو بوزير الخارجية الأمريكي انطونى بلينكن الذي أطلق عبارته الوقحة الشهيرة “أنا جئت لإسرائيل بصفتي يهودي و ليس وزير خارجية أمريكا”. تبع ذلك إرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد و أعداد مهمة من قوة “دلتا” الشهيرة المختصة في البحث و إنقاذ الرهائن إضافة طبعا إلى دعم مخابراتي بكل الوسائل التقنية الأحدث تطورا في العالم.
جرائم ترتقي إلى مرتبة التصفية العرقية
مصادفة أخرى تتعلق بما أطلقته رئيسة الحكومة غولدا مئير من عبارات غاية في العنف مطالبة قيادتها العسكرية بطوفان من دماء المصريين و ما تضمنته عبارات رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتانياهو من التهديد بمسح غزة وسكانها من على وجه الأرض مع الإباحة لقواته باستعمال الأسلحة المحرمة دوليا و قصف المستشفيات و قطع الماء و الكهرباء و هي جرائم ترتقي إلى مرتبة التصفية العرقية و الإبادة الجماعية و مع ذلك لم ير ممثل الولايات المتحدة الأمريكية أنها تمثل سببا وجيها لموافقة اجتماع مجلس الأمن منذ ساعات على وقف الحرب أو المجزرة التي تسببت في قتل ما يناهز الثلاثة آلاف مواطن فلسطيني.
في مثل هذا الوقت لا يمكن إغفال الدور الأوروبي القذر الذي ساند بقوة و وقاحة غير مسبوقة هذه المذبحة التي ارتكبتها إسرائيل بمساندة أمريكا و ستبقى تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانوال ماكرون من أكثر التصريحات عنصرية و وقاحة و إجراما التي ميّزت الجانب الفرنسي.
يتحدث السفير الأمريكي السابق فى إسرائيل مارتن إنديك و هو صهيوني معلن قائلا أن الغطرسة هي التي دفعت إسرائيل إلى الاعتقاد عام 1973 بأنها لن تهزم و أنها القوة العظمى في الشرق الأوسط و قد تجلت نفس الغطرسة مجددا في الفترة التي سبقت عملية طوفان الأقصى التي قضت على أسطورة جيش إسرائيل الذي لا يقهر و أسطورة المخابرات الصهيونية التي لا يفوتها تحرك نملة على وجه الأرض.
لا أحد في إسرائيل مقتنع بجدوى الحرب الحالية على غزة
من المفارقات أيضا أنه هناك حديث عن تحذيرات عربية وصلت إلى رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو عن “حدث كبير” سيقع في غزة غير أنه تجاهل هذه المعلومات تماما كما فعلت رئيسة الحكومة الراحلة غولدا مئير رغم التحذيرات الجدية التي أرسلها العميل المصري أشرف مروان قبل أيام من انطلاق حرب أكتوبر 1973 و كما حصل بعد تلك الحرب فسيفتح تحقيق و ستسقط رؤوس كبيرة و أولها طبعا رئيس الحكومة و رئيس المخابرات.
يجمع المحللون أن الحساب سيكون عسيرا خاصة أنه لا أحد في إسرائيل بما فيهم قيادات عسكرية مهمة مقتنع بجدوى الحرب الحالية على غزة أو إمكانية حصول انتصار و لو كانت نسبته ضئيلة بل هناك اقتناع بأن إسرائيل ليست مستعدة للقبول بخسائر بشرية أخرى و لذلك تتعالى الأصوات المنادية بإسقاط حكومة الحرب التي شكلها بنيامين نتانياهو للبحث عن انتصار لن يأتي.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك