تصريحات السيد الرئيس قيس سعيد حول ما يحصل في غزة الني جعلت أحدهم يهنئ التونسيين بميلاد قائد عربي كبير ليس فيها أي جديد و هي عبارة عن إعادة صياغة نفس الخطب التي يجترها حكام العرب منذ هزيمة 1948 و لكن بإضافة بعض البهارات التي يتقنها السيد الرئيس و التي باتت سمة من سمات خطبه المكررة.
بقلم أحمد الحباسي
استمعت إلى أحدهم و على إحدى الشاشات التونسية التي تخصصت في الدعاية الإعلامية و في منوعات الهشك بشك و التي تحولت بقدرة قادر و كما تتحول بعض المطاعم في رمضان إلى محلات لبيع الزلابية و المخارق “الباجية” إلى دكاكين بائسة تحاول استغلال ما يحدث في غزة الجريحة لاستقطاب المشاهد الذي نفر منها نفورا واضحا محاولة استرجاع عذرية أخلاقية و مهنية مفقودة، استمعت إليه يقول لا فضّ فوه و بمنتهى النفاق محاولا إظهار كثير من الجدية بأن مواقف السيد الرئيس قيس سعيد مما يحصل في غزة غير مسبوقة منتهيا إلى أنه لا يشك قيد أنملة في أن تونس بعد هذا الموقف تشهد ميلاد زعيم كبير سيكون له شأن.
لقد ذكرني كلام هذا الرجل بكلام بعض اللاعبين أو الممرنين الذين يتنبئون لبعض اللاعبين بكونه سيكون لهم شأن في عالم الجلد المدور لكن تخيب تنبؤاتهم سريعا و لن تعثر على أحدهم حتى في الأقسام السفلى.
الخطب العصماء لا تغير شيئا في الواقع
إن الذي يطالع تصريح السيد الرئيس قيس سعيد و الذي جعل أحدهم يتنبأ له بهذا المستقبل لا يجد فيه جديدا و هو عبارة عن إعادة صياغة نفس الخطب التي يجترها حكام العرب منذ هزيمة 1948 و لكن بإضافة بعض البهارات التي يتقنها السيد الرئيس و التي باتت سمة من سمات خطبه المكررة.
في عالم لا مكان فيه إلا لقوة السلاح و المال و الإعلام و التخطيط و التكنولوجيا الحديثة يخطئ من لا يزال يتصور أن الخطب العصماء و مهما تنوعت و احتوت على أشد عبارات التنديد بإمكانها أن تغيّر من سياسة إسرائيل أو من عنجهية الولايات المتحدة الأمريكية لأن هذه الدول تعتبر نفسها فوق القانون بل فوق قانون المؤاخذة الجزائية و مثل العبارات الكاسدة التي حفل بها خطاب السيد الرئيس تجعلها تضاعف في تسلطها و وحشيتها و نحن نتذكر كيف هدم المجرم الراحل شارون مقر قيادة السلطة الفلسطينية أين كان الزعيم الراحل ياسر عرفات تزامنا مع الطرح العبثي الذي قدمه الملك السعودي الراحل عبد الله ابن عبد العزيز و الذي عرفه العالم بمقترح الأرض مقابل السلام في قمة بيروت.
الظاهر أن الزعماء العرب قد اشتبهت عليهم النفقة بالحضانة و بدل أن يعدّوا للعدو ما استطاعوا من العدة و العديد فقد عوضوا ذلك بإعداد الخطب النارية و تبارزوا في من بإمكانه إلقاء خطاب مثير للمشاعر باعتماد عبارات الاستنكار و الاستهجان و التوسل.
بيع الأوهام و تصدير الأحلام التي تتحول إلى كوابيس
حين تتذكر أن الجيوش العربية قد انهزمت في كل حروبها مع الكيان الصهيوني و أن حرب أكتوبر لم تكن نصرا ناجزا بل كانت مجرد محاولة من الرئيس الراحل أنور السادات لكسر الجمود أو ما يسمى بحالة لا سلم و لا حرب حتى يمكنه طرح مبادرته للسلام التي كانت سببا في اغتياله على يد الإخوان المسلمين و حين نتذكر أن حزب الله قد تمكن من فرض توازن الرعب بينه و بين العدو الصهيوني اثر حرب جويلية 2006 و استطاع بفضل حسن التخطيط في صمت أن يجعل المخابرات الصهيونية غير قادرة على كشف ما يحدث و أن يفرض علي العدو طلبه إيقاف إطلاق النار بعد ما لا يقل عن 33 يوما تكبدت فيه خسائر غير مسبوقة على كل الأصعدة و كان من نتيجتها سقوط رئيس الحكومة و وزير الدفاع و قيادات أجهزة المخابرات، حينها نفهم أن خطب الزعماء العرب و شعاراتهم بإلقاء الصهاينة في البحر و عدم التفريط في أي شبر من الأرض العربية المغتصبة و أنه لا تفاوض و لا استسلام و لا صلح لم تؤد إلا للهزيمة و أن التخطيط المحكم من قيادة حزب الله قد أدى للنصر.
لا يمكن للسيد قيس سعيد أن يكون أو يصبح زعيما حين يقوم بشتم معارضيه و تعمد الإيحاء بوجود وجه شبه بين معارضة صلبة إسمها عبير موسي لم ترتكب أي جرم أو خيانة و بين قيادات حزب حركة النهضة الاخوانية الذين مارسوا الإرهاب و سفروا الإرهابيين و أسسوا جهازا عسكريا و نهبوا خزينة الدولة و تخابروا مع دول أجنبية متآمرة مثل قطر و تركيا و سخروا مجلس النواب لبيع مؤسسات الدولة و الحصول على قروض نهبوها و رهنت مستقبل شباب تونس.
لا يمكن لسيادته أن يصبح زعيما أو أن تكون له جينات الزعامة حين ينقلب على الدستور و يضغط على السلطة القضائية و يشوّه سيرة القضاة بدون محاكمة و يضع أصحاب الرأي في السجون و يتدخل تحت أية حجة لتشويه رجال الأعمال بالجملة و يرفض الاستماع إلى مكونات المجتمع المدني و يأتي بوزراء من كرتون و يجعل من وزارة الداخلية سنده و ذراعه الوحيدة للحكم و يضغط على وسائل الإعلام الحكومية لتسبّح بحمده.
هذا الشعب يا سيادة الرئيس لم يعد يصدق روايتك في التغيير و لا مؤمنا بقدرتك على ذلك و الأكيد أنه لن يبحث عن أمل مفقود بين عبارات خطبك التي تبيع الوهم و تصدّر الأحلام التي تحولت إلى كوابيس.
شارك رأيك