الغرض من هذا المقال المقتضب الوقوف على بعض الحقائق والوقائع التي تقشعر لها الأبدان، وتثير الاشمئزاز لكونها ترسخت فأصبحت أمرا واقعا، منطقها يقوم على العنجهية واللامساواة في التعامل مع الأمور و فرض سلطة “الكبار” و”الأقوياء” على كل كائنات الأرض، أحب من أحب وكره من كره.
بقلم فتحي بن حميدان
عالمنا اليوم عالم مبادئه وقوانينه ونواميسه عديدة متعددة، لكن شتان بين النظرية والتطبيق الفعلي والعملي!
فيما يلي، من دون ترتيب ولا سلم أولويات، بعض الخواطر والملاحظات التي لا يراد منها سوى التعبير عن مشاعر قد يراها البعض ساذجة وفي غاية التبسيط، أو حماسية وعاطفية بشكل مفرط وغير منطقي. فليكن! مع ذلك يمكن أخذها كاستنكار صادق وصريح أو استياء شخصي من مواقف وسياسات يندى لها الجبين، ولا تشرف الإنسانية، وتشكل وصمة عار لما فيها من انتهاك لجل المبادئ التي ما انفك المجتمع الدولي ينادي بها ويتباهى بتخليدها… على الورق.
أول ما يتبادر إلى الأذهان الوضع في فلسطين البطلة الجريحة ومعاناة شعبنا الفلسطيني المتواصلة منذ قرابة 75 عاما. قضيته عادلة وحقوقه في الأرض والوطن مشروعة وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، لا ينكرها إلا ذوو النفوس المريضة والنوايا السيئة. كل الشرائع والمواثيق الدولية تنادي بحرية الشعوب وبحقها في تقرير مصيرها، وبحقها في العيش الكريم في كنف السلام، والتآخي والحرية والتحرر من الاحتلال والظلم. لكن حتى هذه المبادئ السامية والنبيلة آخذة في التهاوي وهي في طريقها إلى الزوال نتيجة لرذالة من يتخذ المواقف الخبيثة والحقيرة ويكيل بمكيالين في التعامل مع قضايا الشعوب والأمم.
الانحياز الأعمى لوسائل الإعلام الغربية و فقدانها للموضوعية
القرارات الأممية يُضرب بها عرض الحائط بكل تبجح وغرور… حسب الأهواء والمصالح. لعل أوضح دليل على ذلك تعامل العالم، الغربي خاصة، مع قضيتين متزامنتين، قضية فلسطين المحتلة وقضية أوكرانيا. الكفاح من أجل التحرير في كليهما هو القاسم المشترك، لكن أبواق الدعاية الإعلامية والسياسية، بل والمجتمعية، تروج لأفكار غريبة غير معقولة على الإطلاق في معظم الأحيان. مرة أخرى تثبت وسائل الإعلام الغربية انحيازها الأعمى وافتقارها للموضوعية والحرفية والمصداقية. لقد سقطت ورقة التوت وانكشفت الأمور. مع ذلك لا يزال الغرب مستميتا في تشويه الوقائع وطمس الحقائق والكذب والضحك على الذقون والاستخفاف بالضمائر وبذكاء المواطن والإنسان.
مما يثير التساؤل والاستهجان أيضا، ونحن في القرن الحادي والعشرين، أن هناك في العالم أقاليم وكيانات جغرافية لا تزال ترزح تحت وطأة الاحتلال وتخضع في بعض الحالات للوصاية المباشرة وغير المباشرة. المنطق يدعو المرء إلى التساؤل عن مبررات وجود جزيرة قريبة جدا من دولة الأرجنتين، وتبعد آلاف الأميال عن المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية، تسميها الأرجنتين بالإسبانية “مالفيناس”، ويسميها البريطانيون “فوكلاند”، وتعرف بالفرنسية باسم “مالوين”، تصر بريطانيا العظمى على القول بأنها ملك لها، وقد أقامت الدنيا ولم تقعدها وأرسلت العتاد والآلية الحربية الضخمة، وقالت للأرجنتين هذا خط أحمر حذار حتى من مجرد التفكير في تخطيه!!!
بالإضافة إلى ذلك، من منتهى الغرور والغطرسة والوقاحة السافرة، امتلاك بعض القوى العظمى، الغربية، على وجه الخصوص، لأقاليم خاضعة لسيطرتها، وتتبجح بتسميتها بمسميات لا تدع مجالا للشك أو التشكيك. هكذا نجد أقاليم وبلدانا وشعوبا مستعمرة لا تزال تحمل اسم دولة الاحتلال والاستعمار، رغم إعلان الأمم المتحدة المتعلق بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، والإعلان المتعلق بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي ومن بينها، على سبيل المثال لا الحصر، جزر فيرجن الأمريكية، وجزر فيرجن البريطانية، وبولينيزيا الفرنسية، وغايانا الفرنسية، وساموا الأمريكية، وجزر الأنتيل الفرنسية، وجزر الأنتيل الهولندية. ولا بد هنا من الاستطراد قليلا والإشارة، في هذا الصدد، إلى أن فرنسا، لطالما كانت تحلم ب”جزائر فرنسية”، لكن استبسال الشعب الجزائري وإرادته القوية حولا حلمها الى كابوس.
إلى متى سيظل مجلس الأمن حاميا لمصالح الكبار ؟
يقول قائل يا ترى هل المؤسسات الدولية والإقليمية والأقاليمية القائمة مقدسة إلى الأبد؟ إلى متى سيظل مجلس الأمن حاميا لمصالح الكبار ولسان حالهم وأداة لإدامة إرادتهم وإملاءاتهم على بقية سكان المعمورة وشعوبها؟ هل هناك اليوم مبرر لوجود فرنسا وبريطانيا في مجلس أمن الأمم المتحدة كعضوين دائمين، في حين أن العالم بأسره يدرك مدى فقدان هاذين البلدين للمصداقية والحياد والهيبة، وهو ما يتجلى من خلال تعاملهما مع القضايا الكبرى، وتعاليهما على مستعمراتهما السابقة، في أفريقيا وغيرها.
ماذا لو انضمت إلى مجلس الأمن بصفة العضو الدائم بلدان مثل البرازيل أو الهند أو ألمانيا أو اليابان، ضمانا للتوازن والحياد؟ ولم لا تنضم اليه دولة عربية أو أكثر؟!
إبقاء الأمور على حالها، والحفاظ على الأوضاع القائمة، ورفض التغيير حفاظا على مصالح الكبار هو مبتغى الكبار. هم يدافعون عن هذا الأمر بشراسة واستماتة، من دون حياء، ولا وازع أو رادع. تكفي الإشارة إلى أنه، في المجال الرياضي وفي كرة القدم تحديدا، نعيش منذ عقود وضعا محيرا يبعث على الاستغراب وعدم الارتياح وعدم الرضا: كيف يعقل فعلا أن تكون قارة بأكملها، القارة الأفريقية، التي تعد 54 بلدا ممثلة بخمسة بلدان فقط في كأس العالم لكرة القدم، كل أربع سنوات، في حين يقبل العالم في صمت مدوّ بإمكانية واحتمال ترشح خمسة بلدان من كيان جغرافي واحد هو المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وآيرلندا الشمالية، التي هي عضو واحد لا غير في منظمة الأمم المتحدة تحت هذه التسمية وهذه الهوية ؟هذه البلدان هي إنكلترا واسكتلندا وبلاد الغال (ويلز) وأيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا (ولو أنها بلد مستقل عن المملكة المتحدة) وجبل طارق.
يا للظلم والإجحاف! قارتان من قارات العالم، أفريقيا وآسيا، لا تنعمان بتكافؤ الفرص وبالمساواة في المعاملة.
الغرب يناصر الجلاد ويدين الضحية بكل بشاعة
على خلفية نضال المقاومة في غزة وفلسطين وكفاح الشعب الفلسطيني الباسل والمشروع، تتعالى الأصوات في الغرب وتتسابق بلا هوادة في الانتصار لقوة الاحتلال وفي إدانة المعتدى عليه. الغرب يناصر الجلاد ويدين الضحية بكل بشاعة وبكل ما أوتي من وسائل إعلام منحازة وبكل ما يصدر عنه من مواقف سياسية ودبلوماسية مخزية.
أين المنطق، وأين المبادئ الأخلاقية والإنسانية التي يتشدق بها هؤلاء وأولئك؟ وأين احترام القانون الدولي وأحكام الحرب والأعراف الدولية؟ هؤلاء الذين فقدوا ضمائرهم وذاكرتهم، ولم يعودوا قادرين على تمييز الخير عن الشر والحق عن الباطل نذكرهم بأن من كان الفرنسيون يسمونهم في الحرب العالمية الثانية مقاومين، كانوا في أعين الألمان إرهابيين.
هؤلاء وغيرهم يحللون ويحرمون على هواهم، ويؤولون ويفسرون كما يحلو لهم. كل شيء حلال لهم وحرام على غيرهم. مقاتلوهم مقاومون أبطال من أجل التحرر أما مقاتلينا الفلسطينيين الصامدين منذ عقود من أجل الحرية والعزة والكرامة والحق في وجه البطش والعدوان الذي ما انفك يقصف البشر والشجر والحجر ما هم، في فكر الصهيونية العالمية وأنصارها، إلا إرهابيون همجيون متخلفون.
أما عن حرية التعبير وإسماع الصوت والرأي المخالف، فحدث ولا حرج!!! على ما يبدو، حرية التعبير مفهوم غربي لا يفهمه ويدرك معناه وأهميته إلا الغرب، ولا ينطبق إلا على الغرب. أليس كل هذا، وغيره كثير، من الكيل بمكيالين، بل بمئات المكاييل، في العلاقات الدولية، وفي وسائل الإعلام الغربية؟
على الدنيا السلام.
جامعي من تونس.
شارك رأيك