لا يزال المتابعون لموضوع فرار خمسة من أخطر العناصر الإرهابية من سجن المرناقية منذ يومين تحت وقع الصدمة و الحيرة و التساؤل و لا تزال وزارة الداخلية تتحفظ على أسرار العملية بتعلّة الحفاظ على سرّية الأبحاث و لا يزال وزير الداخلية و رغم خطورة العملية على الأمن القومي ملازما لقانون الصمت.
بقلم أحمد الحباسي
هذا التكتم الشديد يؤشر على أن الأبحاث و لئن كانت في بدايتها توصلت إلى اكتشاف أهم الخيوط التي تؤكد ما ذهب إليه كل المحللين بما فيهم قيادات أمنية سابقة من تورط أجهزة مخابرات و تواطىء بعض القيادات في السجن بدليل مسارعة وزيرة العدل السيدة ليلى جفال بإقالة مدير السجن و إحالة كل من له علاقة بعملية الفرار على التحقيق الإداري الداخلي في انتظار مثولهم جميعا أمام قلم التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب أو بعض الأجهزة الأمنية المختصة الأخرى.
ما يفهم من مسارعة وزير الداخلية إلى إقالة المدير العام للمصالح المختصة والمدير المركزي للاستعلامات العامة ليس ترتيب على الشيء مقتضاه كما يقال بل هناك من يتحدث على وجود اختراق كبير لوزارة الداخلية رغم تغيير عديد القيادات في عهد الوزير السابق توفيق شريف الدين أو الوزير الحالي كمال الفقى.
جهاز المخابرات و فضائح عهد لزهر اللونقو
لا يمكن الحديث عن فرار الإرهابيين الخمسة دون الحديث على جهاز المصالح المختصة بالذات وهو الجهاز الذي تعرض إلى الاختراق من طرف حركة النهضة منذ توليها الحكم سنة 2011 و الذي بات يشكل مادة للتساؤل و البحث و الجميع يتذكرون ما وصل إليه هذا الجهاز من ترهل و خدمة لبعض الأغراض الدنيئة لهذه الحركة التي سخرته لتسهيل تسفير الإرهابيين إلى سوريا في عهد رئيسه محرز الزواري و ما فاح منه من فضائح في عهد رئاسة لزهر اللونقو و ما يعرف بشبهة الفضيحة الجنسية لرئيس الحكومة السابق هشام المشيشي و التي كشفها كاتب عام نقابة الأمن الجمهوري محمد علي الرزقي.
يأتي سعى حركة النهضة للاستيلاء و اختراق جهاز المخابرات باعتباره الذراع الذي سيمكنها من تنفيذ كافة مخططاتها الإرهابية و خدمتها لأجندات خليجية و صهيونية متآمرة كما سيمكنها السيطرة على هذا الجهاز القيام بعدة عمليات مشبوهة ضد معارضيها و من ناحية ثانية استعمال تلك القدرة المعلوماتية الاستخباراتية لتنفيذ عمليات تهريب إرهابيين سجناء أو مطلوبين للعدالة بطرق لا تختلف عن طريقة تهريب سجناء سجن المرناقية.
هناك إجماع لدى كل المتابعين في الداخل و الخارج خاصة و أن عملية الفرار قد نالت حيّزا محترما في وسائل الإعلام الغربية و العربية أن هناك تواطؤا ثابتا بين جهاز مخابرات أجنبي، قطري تركي و ربما صهيوني كردة فعل على تصريحات الرئيس قيس سعيد الأخيرة المعادية للكيان الصهيوني، يضاف إليه تعاون وثيق بين أعوان من السجون على مختلف رتبهم و الذي يمكن أن يكون من بين من فيهم من خضع للابتزاز و الترهيب بعدة وسائل و بين بعض المحامين و نواب الشعب الذين كانوا ينقلون أخبار الإرهابيين و بين بعض الجماعات الإرهابية في ليبيا لتسهيل تهريبهم إلى هذا البلد كما لا نذيع سرا حين نؤكد أن هناك بيئة حاضنة تولت حماية و إخفاء هؤلاء الفارين مدة معينة في مكان ربما لا يخطر على بال الأجهزة الأمنية المتعهدة بتعقبهم و القبض عليهم.
بطبيعة الحال تتطلب مشاركة جهاز أو أجهزة مخابرات في عملية التهريب تسخير إمكانيات معينة لنقل الإرهابيين إلى ليبيا و منها إلى تركيا أو قطر و لذلك فلا يمكن لعاقل أن يتصور أن يتم القبض على هؤلاء الإرهابيين.
هل ننتظر فعلا نتائج التحقيق ؟
لعل ما يثير الانتباه في موضوع الإرهابيين المهربين من سجن المرناقية رغم ما يزعمه الناطق باسم الحرس الوطني حسام الدين الجبابلى من خضوعهم إلى رقابة شديدة داخل السجن و هو تصريح مثير للسخرية في ظل الأسئلة الكثيرة المتعلقة بعملية الفرار أن هؤلاء الفارين يعتبرون من أهم صناديق أسرار حركة النهضة و من أكبر العارفين بمخططاتها الإرهابية و المطلعين على كل خفايا ملف اغتيال الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي إضافة إلى عدة عمليات إرهابية أخرى شهدتها تونس طوال العشرية السوداء لحكم هذه الحركة البغيضة لذلك يقال أن قيادة حركة النهضة التي خططت للقيام بعملية التهريب قد بلغتها بعض الأصداء السلبية التي جعلتها تسارع بتنفيذ العملية تجنبا لبعض تصريحات هؤلاء المهربين الذين هددوا بالإفصاح عنها إن لم يتم تهريبهم و التي يمكنها أن تعقد نهائيا وضعية رئيس الحركة راشد الغنوشي و بعض رفاقه القابعين في السجن على وجه الخصوص.
حين يؤكد الناطق باسم الحرس الوطني أن الوزارة ستعلن عن نتائج الأبحاث و عن الحقيقة كاملة في الوقت المناسب فلا شك أنه لا أحد يصدقه أو ينتظر نتائج تحقيق لن يفصح عنه لأسباب موضوعية تتعلق بالأمن القومي لكن من المهم التأكيد أن العناصر الإرهابية المهرّبة تملك خبرات و تدريبا احترافيا كبيرا يجعل البعض يتساءل هل يمكن توقع قيامها بعمليات إرهابية نوعية أو باغتيالات تمس شخصيات من كل الاتجاهات مما سيخلق وضعا أمنيا بإمكانه أن يقود إلى الحرب الأهلية أو الفوضى التي تسمح لقيادة حركة النهضة بفرض شروطها في سراح تلك القيادة.
هذا الكلام ليس لغوا بل هو اختزال لتصريح الصحفي زياد الهاني لأحد الإذاعات الخاصة منذ أسبوع تقريبا و معلوم أن للرجل خيوط اتصال بالحركة و بكثير من الفاعلين فيها و عليه فانه إذا كانت عملية التهريب لم تأت من فراغ بل تطلب إعدادها وقتا طويلا رغم ما يتميّز به سجن المرناقية من تحصين و كاميرات مراقبة فانه من نافلة القول أن هذه العملية ستكون لها ارتدادات كبرى في قادم الأيام.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك