لعل السلطة تسعى من خلال سجن المناضلة السياسية عبير موسي إلى إسكات صوتها المدوي و ضرب الحزب المعارض الأول في البلاد و ربما دفع المنخرطين إلى التخلي عنه بمرور الوقت.
بقلم أحمد الحباسي
لعلنا لا نبالغ إطلاقا حين نؤكد بأن تونس تعيش أشدّ فترة انغلاق سياسي منذ 2011، لا نبالغ إن نقول بأننا نعيش أحلك فترة على المستوى الحقوقي و الاجتماعي، لا نبالغ أخيرا حين نؤكد أن هناك انسدادا مرعبا في الأفق و أن تعطل كل قنوات الحوار بين السلطة التي تعاني من فقر مدقع على مستوى البرامج و الأفكار المطلوبة لإخراج البلاد من أزمتها الطاحنة و بين كل الضمائر الوطنية الحيّة التي تنادي بالحوار و تغيير المسار الخاطئ الذي ينتهجه رئيس الدولة دون إدراك أو وعي بمخاطره و محاذيره و ارتداداته.
من الواضح أن السيد الرئيس قد استفرد بالحكم استفرادا غير مسبوق معطلا كل أجهزة الدولة الرقابية بما فيها مجلس نواب الشعب الذي تم اختيار نوابه على المقاس و في انتخابات شكلت و لا تزال مادة للتندر و السخرية.
من الواضح أيضا أن الرئيس قيس سعيد لا يؤمن بالمعارضة و لا بالرأي الآخر حتى لو صدر من أشد المنتمين أو الموالين لما يسمى بمسار 25 جويلية و هو مسار هلامي لا علاقة له إطلاقا بهموم و مطالب الشعب.
هناك من يؤكد أن أن النظام الحالي يعتمد على السجن و التشهير لإسكات معارضيه و التخلص منهم غير مكترث بكل الأصوات المتحضرة التي تنادي بحرية التعبير و تنبذ التسلط و ترفض الاستبداد.
محاولات إسكات صوت السيدة عبير موسي
في هذا السياق يظهر أن السيد الرئيس قد فقد صبره بعد كل محاولاته إسكات صوت السيدة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر و التي باتت رقما سياسيا صعبا داخليا و خارجيا، محاولات مستمرة تقوم بها أجهزة وزارة الداخلية في عهد الوزير السابق توفيق شرف الدين و الوزير الحالي كمال الفقي لتعطيل مسيرات الحزب و نشاطاته الإعلامية و هي محاولات تجاوزت فيها القوى الأمنية كل الحدود مما تسبب في أضرار بدنية و معنوية جسيمة لعديد المنتسبين للحزب و على رأسهم السيدة عبير موسي.
بطبيعة الحال لا يقتصر الأمر على التجاوزات الأمنية و على صمت النيابة العمومية و ركنها في الرفوف لعديد تشكيات الحزب بل تجاوز ذلك إلى قيام بعض “الإعلاميين” الموتورين أو المنتدبين بمهمة بث الخوف و التشهير.
لعل المتابعين لقناة حنبعل و التاسعة على وجه الخصوص و التي ثبت عنها شبهات تمويل خارجية في عديد المناسبات و بعض الإذاعات الخاصة المشبوهة التي انقلبت 360 درجة كاملة بعد أن كانت تطبّل و تبيّض رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد إلى تمجيد و تلميع ما يطلق عليه بمسار 25 جويلية قد اكتشفوا مرة أخرى كيف يتم التلاعب بالرأي العام و تحويل وجهته و تضليله خدمة لهذا المسار الهلامي.
فى هذا السياق توفر خطب الرئيس قيس سعيد و تهجماته و اتهاماته الفاقدة للدليل و تشهيره بالغير مادة دسمة لهؤلاء الغربان “الإعلامية” وخط تحرير واضح يمكنهم من التصويب و الهجوم على الجهة السياسية التي استهدفها الرئيس وبذلك تصبح تلك الجهة كما هو الحال بالنسبة للسيدة عبير موسي ممنوعة من التعبير و التظاهر و الرد على الاتهامات و شخصا معرضا للاغتيال بعدما تمّ إهدار دمها و وصفها بأبشع النعوت فى ظل صمت مطبق للنيابة العمومية و لإعلام السلطة و زبانيتها.
لعل أخطر ما يحصل في تونس اليوم هو استغلال النظام لتجمع كافة مقاليد الحكم بيده ليفرض حالة غير مسبوقة تمكنه من هيمنة مطلقة على مجال التعبير و لتحقيق ذلك قام باختراع المرسوم عدد 54 لسنة 2022 الذي جعله يتعرض لكل من يعارض مقترحاته أو توجهاته الفاشلة و من هنا تم استغلال مثل هذه النصوص “القانونية” الاستثنائية لاحتجاز رئيسة الحزب الدستوري الحر السيدة عبير موسي و إيداعها بالسجن دون محاكمة عادلة و باعتماد طريقة تمطيط إجرائية تهدف إلى إطالة تغييبها عن الساحة السياسية وهو الهدف الخفي الذي تسعى له السلطة بكل الطرق لضرب الحزب المعارض الأول في البلاد و ربما دفع المنخرطين إلى التخلي عنه بمرور الوقت إضافة إلى ما يتحدث عنه البعض من وجود رغبة مقايضة مواقف يتم بمقتضاها إطلاق سراح رئيسة الحزب مقابل تعهدها بالمهادنة و الصمت إن اقتضى الأمر .
السلطة تخرق القانون في غياب هيئة قضائية رقابية فاعلة
لعل ما يثير الاهتمام في قائمة التهم الموجهة للسيدة عبير موسي هي التآمر على أمن الدولة وهي تهمة يتجاوز عمرها ميلاد الدولة الوطنية التونسية المستقلة اذ يعود تاريخها إلى سنة 1926 بحيث كانت أداة في يد الاستعمار الفرنسي للتنكيل بالمقاومين و المناضلين و لعل هذه التهمة قد تحولت اليوم إلى آلية كريهة للحفاظ على السلطة و القمع في ظل غياب تام و غير مبرر للمحكمة الدستورية و ما تعانيه السلطة القضائية من اهتراء و ضرب تحت الحزام و تدخل و تعليمات.
و من هنا نتأكد و نفهم لماذا أصر الرئيس قيس سعيد على توجيه الاتهامات و حملات التشهير و العزل و التهديد المباشر للقضاة منذ مدة لأن إخضاع القضاء و ترهيبه هما شرطان أساسيان للإعداد المسرحي للمحاكمات السياسية تماما كما يحصل مع السيدة عبير موسي التي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام لمجرد تمسكها بحقها الشرعي في إيداع مطلب تظلم بمكتب الضبط برئاسة الجمهورية.
يقتضى الفصل 18 من القانون عدد 52 لسنة 2001 المؤرخ في 14 ماي 2001 المتعلق بنظام السجون أنه للسجين الحق في الحفاظ على الروابط العائلية و ذلك بتلقي زيارة ذويه و في هذا الإطار فقد عمدت إدارة سجن الإيقاف بمنوبة في مرة أولى إلى منع زيارة بنات السيدة عبير موسي في مخالفة صريحة لأحكام الفصل 31 من القانون المذكور الذي يرخص زيارة الابنتين لوالدتهم ما دامت في سجن الإيقاف ثم رفضت حق الزيارة لهما رغم استظهارهما بإذن قضائي.
ربما يحيلنا هذا الخرق الفاضح للقانون و صمت السيدة وزيرة العدل عن هذا الانتهاك لحقوق الإنسان إلى حقيقة ساطعة تؤكد تعمد السلطة خرق القانون في غياب هيئة قضائية رقابية فاعلة مما يلقى ظلالا من الشك حول مستقبل المنظومة القضائية و السجنية و ما حصل منذ أيام من فضيحة دولة بسجن المرناقية من تهريب خمسة من أخطر الإرهابيين دليل ملموس على أن السلطة قد فشلت في إدارة البلاد و عليها أن تتخلى عن كل مظاهر الاستبداد و الانغلاق الفكري.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك