انعقدت بالسعودية يوم السبت 11 نوفمبر “قمة عربية إسلامية” جمعت 57 دولة منتسبة إلى الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وكما كان منتظرا أفضى هذا الاجتماع إلى سردية إنشائية طويلة وركيكة لا علاقة لها بما يجري في أرض فلسطين وأساسا في غزة التي يتعرض أهاليها إلى حرب إبادة أمام العالم. لقد انعقدت هذه القمّة بعد 36 يوما من العدوان، سقط فيها أكثر من عشرة آلاف شهيد وأكثر من ثلاثة آلاف جريح علاوة على تدمير المشافي والمباني وقطع الماء والغذاء والدواء والكهرباء والغاز والاتصالات.
لقد انتظر غالبية حكّام العمالة والخيانة وفي مقدّمتهم “المطبّعون”، كل هذا الوقت كي يجتمعوا لأنّهم حسبوا أنّ الكيان الصهيوني سيحقق، بوحشيّته المنفلتة وآلة دماره الرهيبة والدعم المباشر لإدارة بايدن الامبريالية الدموية، أهدافه بسرعة ويريحهم من المقاومة فيلتقوا على أشلاء أطفال غزة ونسائها ورجالها وركام مبانيها لكي يخطبوا ويمرّروا مشاريعهم لقبر القضية الفلسطينية. لكن المقاومة سفّهت، بصمودها الأسطوري، أحلامهم كما أنّ الكيان النازي الهش والمرتبك خيّب آمالهم، فاجتمعوا في السعودية بدعوى البحث عن سبل “مساندة الشعب الفلسطيني ووقف العدوان”.
لقد هبّت الدول الامبريالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية منذ اللحظة الأولى لانطلاق معركة “طوفان الأقصى” لنجدة الكيان الغاصب ودعمه بالأسلحة الفتّاكة والاستخبار والمال وأرسلوا حاملات طائراتهم لتطويق المنطقة ومنع أيّ دعم لغزّة المقاومة من أيّ جهة كانت ووفروا الغطاء السياسي والإعلامي للجريمة تحت غطاء “الدفاع الشرعي” في وجه “الإرهاب”. وبالمقابل فإنّ أنظمة العار لم تتخذ أيّة خطوة عمليّة مهما كانت لشد أزر فلسطين بل إنّ بعضها انخرط في إدانة العملية البطولية المشروعة للمقاومة يوم 7 أكتوبر واعتبرها “إرهابا” و”اعتداء على المدنيّين الأبرياء”، وقد يكون حرّض “الناتن ياهو” على استغلال الفرصة لتصفية المقاومة نهائيا.
وقد جاءت قمّة العار الملتئمة بالسعودية لتعرّي أكثر طبيعة غالبية الحكام الحاضرين الرجعية والعفنة. لقد غاب كليا عن البيان الصادر عن هذه القمة اجتماع السعودية أيّ بعد عملي لوقف المحرقة. فلا دول المعابر وفي مقدمتها مصر السيسي قررت فتحها بالقوة لإيصال المساعدات. ولا دول التطبيع، ومنها تركيا أردوغان، المتكبّر، المتجبّر، البارع في الكذب والديماغوجيا، قطعت علاقاتها بالمحتل النازي وأغلقت سفاراته. ولا دول الريع النفطي وفي مقدمتها دولة آل سعود المرتهنة في وجودها بالتحالف الإستراتيجي مع الامبريالية الأمريكية، هدّدت ولو لفظيّا بوقف تصدير النفط والغاز لهذا المحتلّ ومشاركيه وداعميه في العدوان. لقد فرضت دول العمالة والخيانة شروطها في هذه القمة التي اكتفى بيانها الختامي “بالشجب والتنديد” و”التمسّك بالقضية الفلسطينية العادلة” و”بالشرعية الدولية”.
لقد وجدت غزة وفلسطين عامة إلى جنبها فصائل المقاومة في لبنان والعراق واليمن وسوريا. كما وجدت إلى جانبها الجماهير العربية التي خرجت إلى الشارع للإسناد والمساندة علاوة على شعوب العالم بما فيها في الدول المشاركة في العدوان والداعمة له.
إنّ حزب العمال الذي لم يتفاجأ مطلقا بسقف مواقف غالبية الأنظمة العربية والإسلامية الحاضرة في قمة السعودية:
- يعتبر بيان القمة انعكاسا حقيقيا لطبيعة الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي والعالم الإسلامي عامة بوصفها أنظمة تابعة عضويا في أغلبيتها الساحقة للإمبريالية والاستعمار والصهيونية وهي شريكة في العدوان لا مجرد متواطئة معه.
- يؤكّد أنّ ما يقود النظام الرسمي العربي هو مصالحه الضيقة المرتبطة بالعروش والكراسي ومآلات الحكم وتوريثه واحتكار الثروات والحصول على القروض والهبات، وهو وضع يستمر منذ انبعاث هذه الأنظمة سواء بعد استقلالات شكلية أو بصنع من الاستعمار وهو ما يحتّم كنس هذه الأنظمة لتحرير الشعوب والأوطان وإعادة بنائها على أسس وطنية ديمقراطية شعبية.
- يذكّر بأنّ هذه المواقف المتواطئة والذليلة هي التي خذلت القضية الفلسطينية منذ حرب 1948 وما قبلها وما بعدها، إذ وجد الشعب الفلسطيني دائما نفسه لوحده أمام آلة الحرب الصهيونية المدعومة من الامبريالية العالمية ومؤسساتها وكثيرا ما تورطت بعض الأنظمة العربية في التآمر لضرب مقاومة الشعب الفلسطيني وتطلعاته الوطنية.
- يدعو الجماهير الشعبية في العالمين العربي والإسلامي إلى مضاعفة مجهوداتها لإسناد فلسطين ومقاومتها من أجل وقف حرب الإبادة فورا وذلك من خلال الضغط على أنظمة العمالة والدول الاستعمارية المشاركة في العدوان والداعمة له: غلق سفارات الكيان النازي في دول التطبيع، طرد سفراء الولايات المتحدة الأمريكية رأس حربة العدوان على غزة، فتح المعابر خاصة معبر رفح لإيصال المساعدات وإنقاذ الجرحى والمرضى والأطفال الخ…
- يعتبر هذا الاجتماع مناسبة أخرى انكشفت فيها حقيقة سلطة الانقلاب ومغالطاتها بفضل صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة وبفضل إصرار أحرار تونس وحرائرها على عدم الاكتفاء بالخطب الجوفاء والمرور إلى الأفعال التي وحدها تقيم التمييز بين النظام الوطني والنظام التابع، وفي مقدمة هذه الأفعال تجريم التطبيع وطرد سفراء الدول المشاركة في العدوان والداعمة له وفي مقدمتها “رأس الحيّة”.
حزب العمال
تونس في 13 نوفمبر 2023
شارك رأيك