لقد كانت القمة “العربية الإسلامية” الأخيرة مُخيّبة للآمال ومثل سابقاتها من القمم خِطابية بلاغية واستعراضية. قمّة لا تُلبّي طموحات الشعوب وغير قادرة على تمثيل هذا الوطن الكبير بشكل صحيح. خطؤنا أننا انتظرنا دورا لدول لا تمتلك طاقة حقيقية لإدارة السياسة العربية حتى وان انفتحت على العالم الإسلامي. سقوط لافـتة العروبـة ما كان محجوبا تحت الطاولة أميط لثامه وأُعلن بشكل رسمي.
بقلم العقيد محسن بن عيسى
أتساءل مثل غيري على هامش الحرب القائمة عن الوزن العربي في ميزان القوى الدولي؟ عن دور بترول وغاز المنطقة العربية الذي له علاقة بأمن الطاقة لعديد من الدول في العالم؟ عن ثقل السوق التجاري والمالي الكبير واتصاله بالبنوك والتجارة الدولية؟ هذا فضلا عن تأثير المنطقة في استراتيجيات الجوار مع دول لها وزنها، واعتبارها في سياسات القوى العظمى.
أعلم للأسف أنّ انهيار النظام العربي شتّت الدول بشكل فظيع، وطبيعي أمام الفراغ الاستراتيجي أن تتسابق دول أخرى على قيادة المنطقة. قد ترجّح أوروبا وأمريكا كفة تركيا لكونها حليفا استراتيجيا مرتبطا بالغرب بعلاقات تاريخية، ولكن إيران تتصدر المشهد عند الحديث عن حرب غزة. هكذا غاب الدور العربي أمام النفوذ الإيراني والتركي.
خلل التوازن العسكري في المنطقة لصالح إسرائيل
لم يعد خافيا منذ 1991 وحرب الخليج الثانية أنّ النظام الدولي الجديد يقوم فعلا على الفوضى الخلاقة، وأنّ الأمم المتحدة لم تعد قادرة على حماية الدول. ومن هذا المنطلق تسارعت الأقطار إلى بناء قواتها العسكرية لحماية نفسها. ومن الواضح أن ارتفاع نسبة الإنفاق العسكري في العالم العربي في السنوات الأخيرة لم يكن مردّه حماية الوطن العربي والأرض العربية. بل اتجه إلى تغذية النزاعات الداخلية ورفع الاستعداد للصراعات ضد بعضها البعض.
انطلاقا من هذا الواقع، تكرّس خلل التوازن العسكري في المنطقة لصالح إسرائيل، وتواصل الالتزام الأمريكي المعلن لضمان التفوق النوعي الإسرائيلي.
الحرب على غزة اليوم، وإن نجحت الفصائل في الصمود ومسك زمام المبادرة فيها وتوجيه ضربات موجعة للعدو، تبقى من الحروب غير متكافئة لأن التفاوت العسكري والتكنولوجي بين الأطراف المتنازعة كبير جدا، فهي حرب فصائل مقاومة ضد دولة معتدية مسنودة بقوة عظمى.
ليس هناك حروب إسرائيلية نظيفة ولو استعملت فيها الأسلحة الذكية، فغزة تواجه جرائم حرب بالنظر للمجازر والنزوح المكثف وأعمال العنف المتواصلة.
المقاطعة سلاح سياسي طالما وضعنا الدروس المستفادة من الصراع العربي الإسرائيلي جانبا، ولم يعد واردًا اللجوء إلى الكفاح العربي الموحّد والمسلّح والمنظّم لإنهاء الإحتلال واستعادة الحقوق العربية المغتصبة في فلسطين، فلتستجب الدول للإرادة الشعبية الداعية لمقاطعة إسرائيل والدول المساندة لها.
يزخر تاريخ الشعوب التي تعرّضت حقوقها للاغتصاب ومصالحها للخطر بنماذج من سلاح المقاطعة الشعبية. كانت التجربة الهندية رائدة في المقاطعة الجماهيرية المنظمة حيث لجأ غاندي لهذا السلاح ونجح في هزّ اقتصاد انجلترا. واعتمد المؤتمر الافريقي في جنوب إفريقيا مع مانديلا على حركة مقاطعة سببت ضغطا هائلا على نظام “الأبرتهايد” وعجّلت بانهياره وسقوطه ديمقراطيا.
أين سلاح المقاطعة لمساندة المقاومة
وترميما للذاكرة أستحضر ما قامت به العراق سابقا في 7 أكتوبر 1973 بتأميم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا في شركة نفط البصرة، والدعوة الفورية على اتخاذ موقف صريح في مواجهة الدول المساندة لإسرائيل.
واستذكر ما قرره في 17 أكتوبر وزراء النفط العرب بخفض إنتاج البترول في كل الدول العربية مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، وكيف قطعت الإمدادات نهائيا عن الدول التي تساند إسرائيل، مثلما حصل مع أمريكا وهولندا وأيضا البرتغال التي كانت تسمح من خلال مطاراتها بإمداد إسرائيل بالمعدات العسكرية. وكيف تزايدت أهمية المقاطعة إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية سنة 2000 (انتفاضة الأقصى). لقد استمر الحظر في حرب أكتوبر إلى مارس 1974، مما عزّز مبدأ أن الدول العربية قادرة على توجيه ضربة سياسية قاسية للاقتصاد العالمي. أين نحن من هذه التجربة؟
ألم تؤسس جامعة الدول العربية سابقا جهازًا خاصًا بالمقاطعة مع مكاتب في كل دولة عربية، واعتبرتها جزءا لا يتجزأ من الأمانة العامة؟
إنّ تحدي الحركة الصهيونية ودولتها إسرائيل لكل مبادئ القانون الدولي أعطى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الحق في اتخاذ جميع التدابير الرامية إلى حماية حقوقها، وفي طليعتها المقاطعة السياسية والاقتصادية.
الإدانات والدعوات لوقف الحرب كانت ساذجة و لم ولن تفض إلى إيقاف حمامات الدم المتعددة. حرب غزة في حاجة متأكدة إلى سلاح المقاطعة لمساندة المقاومة ومواجهة الغطرسة الإسرائيلية المتصاعدة.
شارك رأيك