حين يخرج الإعلامي اللبناني طوني خليفة في إحدى برامجه معلقا على الحرب في غزة و متسائلا بنبرة حادة و متوترة : “لماذا يسوق البعض لانتصارات وهمية” مؤكدا أن كثيرا مما يقال و ينشر عن انتصارات المقاومة الفلسطينية غير صحيح… فإنه لا يسعنا من باب الشفافية و الموضوعية إلا أن نطرح السؤال : هل هزمت المقاومة الفلسطينية في غزة ؟
بقلم أحمد الحباسي
هل أن ما تنشره كتائب القسام حول عملياتها ضد الجيش الأسرائيلي المحتل غير صحيح و هل أن إجماع المحللين في إسرائيل بأن الجيش الإسرائيلي لم يحقق إنجازا عسكريا واضحا و مهما و لافتا للانتباه بعد أكثر من أربعين يوما من المعارك التي استعملت فيها إسرائيل كل طاقة طيرانها و مدفعيتها و جواسيسها و استعانت فيها بقوات أمريكية خاصة مستعملة أحدث التقنيات المعلوماتية إضافة إلى دعم غير مسبوق من العتاد و البواخر الحربية… هل أن هذا الإجماع هو مجرد خدعة و أن إسرائيل تخفي حقيقة هزيمة المقاومة من باب مراعاة مشاعر الفلسطينيين و العرب؟
بطبيعة الحال هناك فارق كبير بين عدّة و عديد الجيش الصهيوني و بين عدّة و عديد المقاومة الفلسطينية و لكن التاريخ ناطق بأن صاحب الحق و الأرض في غالب الأحيان لا يهزم.
محور التسويق للهزيمة مقابل محور المقاومة
لقد لاحظنا مؤخرا أن بعض البرامج “العربية” و آخرها برنامج طونى خليفة على قناة “المشهد” الذي يلهث وراء جلب الإعلانات و زيادة نسبة المشاهدة و يعتمد في تحقيق ذلك أسلوب تحطيم المعنويات و البحث عن الاختلاف تحت ستار الموضوعية المزيف قد بات يقدم وجبات إعلامية مسمومة شأنه في ذلك شأن زميله في الاستهتار القيمي الإعلامي المصري إبراهيم عيسى و بطبيعة الحال فهذا البرنامج لا غاية منه إلا اختلاق الأزمات و بث الشكوك حول هذا الحدث التاريخي غير المسبوق الذي يسمى معركة طوفان الأقصى و هنا يتقاطع هوى طونى خليفة مع هوى قنوات و وسائل إعلام ما يسمى بفريق لبناني معروف دأب على تبخيس إنجازات المقاومة اللبنانية الممثلة أساسا في حزب الله سواء في الملف السوري أو في ملف الصراع اللبناني لاسترجاع الأرض اللبنانية المحتلة من العدو الصهيوني أو في تعبير سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله على أن كل الخيارات تبقى مفتوحة طيلة الوقت الذي تقتضيه معركة غزة.
نحن إذن أمام محور التسويق للهزيمة مقابل محور المقاومة بل أمام منظومة هدّامة تضرب الذهن و التفكير العربي المنهك و خطرها لا يقل عن خطر الفكر الاستعماري الصهيوني الغربي.
لا أحد يبحث عن التسويق لانتصار غير موجود و لا عن حقائق مزيفة كما أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبل الرأي العام المتطلع بشغف و آمال كبيرة أن يستمع أو يشاهد مثل هذا الهراء الإعلامي التضليلي لبعض أشكال الصحافة الصفراء في وقت تتصدى فيه المقاومة الباسلة لأكبر قوة عسكرية متوحشة في المنطقة.
هناك حالة انحراف عن حق المواطن في المعلومة الصادقة و تحريف للمهمة الإعلامية التي تحولت على يد بعض الإعلاميين “العرب” إلى خنجر مسموم و إلى معول هدم كل ذلك تحت ستار “خالف تعرف” و “الرأي و الرأي الآخر” و “حرية التعبير” إلى غير ذلك من العناوين المنافقة.
هناك حقائق تؤكد انتصار المقاومة لحد الآن و هذه الحقائق لا نحتاج الوصول إليها إلى آراء هؤلاء المحللين و الخبراء الذين تعجّ بهم القنوات العربية و الذين لا تختلف تحاليلهم على تحاليل بعض المحللين الرياضيين الذين ثبتت أخطاؤهم في مناسبات كثيرة و من هذه الحقائق المؤكدة عجز جيش الاحتلال عن تقديم علامة و دليل انتصار واضحة و غير قابلة للتكذيب.
من الحقائق التي تؤكد انتصار المقاومة قدرتها على الصمود طيلة هذه الفترة رغم تباين القدرات بينها و بين جيش العدو الصهيوني و في حين تواصل هذه المقاومة استبسالها في ظل ظروف صعبة يتبارى أمثال السيد طوني خليفة في إطلاق المقدمات النارية و في استعمال أكثر “التقنيات” الكلامية فتكا بالمشاهد العربي حتى يقال عنهم أنهم يملكون جرأة كشف حقائق مخفية عن العامّة التي ظن هؤلاء في لحظة غرور أنهم مجرد رعية من المساطيل و مدمني المخدرات و فاقدي التمييز.
الانحاءات المذلة لمحترفي الهزائم
لا يختلف موقف هؤلاء الإعلاميين عن مواقف بعض القادة “العرب” و من بينهم ولي عهد أحد الكيانات الخليجية التي نتعفف عن ذكر إسمها احتراما للمشاهد و التي طبعت علاقاتها مع الكيان المحتل و الذي لم يخجل -لا فض فوه- باتهام المقاومة في غزة بقتل الأطفال و النساء تماما كما فعل رئيس السلطة الفلسطينية حين صوبّ عياراته اللفظية على حماس معتبرا أنها الإبن العاق متجاهلا كم الانحناءات المذلة التي قدمتها هذه السلطة للكيان الصهيوني من باب ما سمي عبثا” بالبراغماتية السياسية” التي لا تتعدى خيانة دماء الشهداء و تفريطا في حقوق الشعب الفلسطيني.
المقاومة منتصرة بحول الله لأن من يقدمون دمائهم نصرة لقضية شعبهم هم أصحاب الأرض الشرعيين الذين تعطروا بعبق هذه الأرض الطيبة المباركة. والذين يسعون تحت كل المسميات و لنفس الغرض و هو بث ثقافة الإحباط لا يمكن أن يفهموا أن القضية الفلسطينية ليست قضية الشعب الفلسطيني فحسب بل أنها القضية الوحيدة التي استطاعت توحيد أغلبية الشعوب العربية لتصبح مالكة لتفكيرهم و مشاعرهم ووجدانهم لذلك يمكن لطوني خليفة و من شابهه و قلّده و تبناه و أرضعه حليب فقدان الذاكرة المهنية أن يحاولوا بكل الطرق الملتوية استعمال نفوذهم و شهرتهم و ربما ما يحمله لهم البعض من تقدير لإحباط الشعوب العربية في وقت تحالفت فيه قوى الشرّ الامبريالية الصهيونية لتفتيت المنطقة و ضرب القضية الفلسطينية في مقتل مستغلة صمت كثير من الحكام العرب المهرولين للتطبيع في مشهد مؤلم يؤكد مرة أخرى أن هؤلاء الحكام سينتهون يوما كما هؤلاء المطبلين للهزيمة في مزبلة التاريخ.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك