معركة الأسرى أقوى من معركة السلاح والأخسر فيها العدو الإسرائيلي لا حماس قطعا. ومن هنا الخوف الأكبر لدى جميع الأطراف المعادية لحماس لضعف ضغوطهم عليها بكل الوسائل، لأنها قدمت الكثير من أجل أن تفوز منهم بالكثير إن لم يمكن الأكثر وتفرض عليهم بملف الأسرى ما عجزت عنه بالرشقات الصاروخية والمسيّرات لعدم النسبة والمناسبة بين جيش قوامه عشرات الآلاف من المجندين والمتطوعين وسلاح متطور بين مهدى ومستورد يصل الى قوة السلاح الذري والتهديد النووي. وليس أكثر من أرواح الأبرياء والأطفال والحوامل والمرضى الذين استهدفتهم الآلة العسكرية في الملاجئ والمدارس والمساجد.
بقلم الدكتور المنجي الكعبي
إسرائيل فتيل النار بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي لأنها تستغله لصبغتها الاستعمارية لضرب هذا بذلك أو لتخويف هذا من ذاك. فهي فتيل يجب نزعه لمصلحة الجميع ليعود الوئام بين دول المنطقة بعيدا عن الصراع وشيكا من التقارب .
و التنافس غير القائم على العنصرية هو الأسلم لا التقارب معها أو التعادي معها لحساب الآخر، لأنه يفضي الى حرب دائمة أو عنف متبادل، والمولّد للثورات والانقلابات. والدول التي تتبرأ من إسرائيل بعد طوفان الأقصى أكثر من الدول التي كانت تشتري ودها غفلة منها أو انسياقا لأمريكا وسدا للحاجة والقروض والمساعدات. ولا مراهنة بعد اليوم على صداقة مطعون في مصداقيتها مشهود بعدوانيتها. فكيف لا يكون العرب والمسلمون أمة واحدة قوية ويدا واحدة ضاربة على هذا الكيان الذي عرى عليه الطوفان فأظهره على أبشع صورة ستلاحقه إلى آخر التاريخ.
دعم المقاومة الفلسطينية من أجل الأمن القومي العربي
حتى لا نقول كما قال الآخر كان العرب يتضامنون مع الفلسطينيين تضامنا وحسب واليوم يتفاعلون معنا كفلسطينيين من باب الأمن القومي لدولهم مجموعا أو دولة دولة.
ولكن نقول إن الأزمنة اختلفت وباختلافها تختلف المواقف ومن لا ينتبه لقوانين الاجتماع يورط نفسه في مشاكل الجهل وعمى السياسة.
وأوروبا نفسها بعقدة الإثم نحوها قللت من دعمها الأول لإسرائيل وأمريكا نفسها التي هي في نزاع مصالح مع إسرائيل اليوم توشك على التنصل من جرائمها الجنائية معها في هذه الحرب ضد فلسطين وتسليمها للانكماش في بؤرتها قبل 7 أكتوبر الى أن يكون كائن يحدد تمددها أو يقلص من توسعها. رغم أنف مجرمها الأول المطلوب حاليا لدى عدالة بلاده قبل أن يكسوه المجتمع الدولي ومحكماته جبة المجرم الخطير بحق الإنسانية.
السنة والشيعة من مقومات الإسلام لعلاقتهما بسيرة رسوله صلى الله عليه وسلم ورسالته. وما يتصل بهما من تبازر بين الأفراد والجماعات وتباريهم من أجل السلطة وتداولها وهو أمر سائد في جميع المجتمعات وإن التبس في بعض الأحوال باقتتال ومشادات وتباين واختلافات ومجاذبات فهو صحي وحيوي في الوقت نفسه، لحمل الفئة الباغية على جادة الحق والصواب.
وقد أثرى هذا الثنائي وغيره من مذاهب الفقه والعقيدة والسياسة رصيدا عظيما من الأفكار والتصورات والمناهج والأساليب والتجارب، غني بها العالم الذي فتحناه بفتوح وإنجازات تقدمت بها العلوم والصنائع والفلاحات وكانت محل اقتباس واستلهام من كثير من الأمم والحضارات اللاحقة.
الطوفان الذي فرز الصالح من الطالح والمعيب من السليم
وكم من طوفان عرفته أمتنا، ميز الخبيث من الطيب ولفظ الفاسد وأبقى على الصالح والجديد. والطوفان الذي نعيش هذه الأيام أحداثه الدامية مع الأسف فرز الصالح من الطالح والمعيب من السليم، وبطيّه قريبا لذمة التاريخ نشمر على سواعدنا للتقدم أمامنا نحو البناء والتعمير والانكباب على العلم والتعليم والاقتصاد والتدبير والابتكار والتجديد للنظم ومؤسسات الحكم الرشيدة لصنع مستقبل زاهر ونضير.
فالإسلام ليس عصر الظهور في مكة ولا عصر هجرته بالمدينة ولا عصر الخلفاء الراشدين ولا من بعدهم ولكنه الإسلام لكل العصور وفي كل العصور الذي نحياه ونورثه ما أضفناه اليه خلفا عن سلف ليكون منارا وهدى للعالمين.
فقد عرفنا طوفان المغول وطوفان الإيبيريين وطوفان الصليبين وطوفان الاستعمار. وأخيرا طوفان الصهيونيين، هذا الذي سيصالحنا مع اليهود في دولة فلسطين واحدة، ومع غيرهم من أصحاب الأديان الآخرين أو غير ذوي دين، ولكن ذوي معروف واستقامة وحسن تدبير.
أكثر من طوفان عرفناه وتعود الحياة إلى مجراها بوجه أجد وهمة أعزم ويقين صميم.
باحث جامعي و نائب سابق في البرلمان التونسي.
شارك رأيك