هكذا حدّثني هُدهد كتائب القسائم وسرايا القدس التابعتين لحركتي حماس والجهاد أن إسرائيل فشلت في اختراق صفوفهما على مدى شهرين من العدوان الغاشم على غزة الأبية مع احتساب أيام الهدنة وامتداداتها، بعد أن ظن الإسرائيليون أنهم قادرون على تدميرهما بأيسر السبل، إلا أنهم كانتا عصيّتين على آلة الحرب الصهيونية مهما كانت قوّتها وفاعليتها.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
رجال المقاومة أثبتوا قدرتهم على قيادة المعركة باحتراف ومهنية وصدقية وشفافية عالية المستوى لم يسبق لها مثيل على المستويات الإنسانية والأخلاقية والحربية والقيادية، وبيّنت للعالم أنها حركة مقاوِمة للاحتلال الصهيوني تحمل بصمات الثقافة والأخلاق العالية وتنبذ الإرهاب بكل صنوفه وفي مقدّمته الإرهاب الصهيوني وهمجيّته وبربريّته وفوضويّته وافتقاره إلى خطط قتاليّة عالية لا تصل إلى العالمية.
ظنّ الأمريكيّون والغرب عمومًا أن من حقّ إسرائيل أن تدافع عن نفسها وهي الشمّاعة التي علّقها الصهاينة على صدورهم وهم يضربون غزة برّا وبحرًا وجوًّا وزعموا أن إسرائيل ستحقق نصرًا مبينًا لا سيما بعد الدّعم الأمريكي اللامحدود من الأسلحة والذخيرة والمتفجّرات والقنابل الصوتيّة والدخانيّة والفسفوريّة، لكن اللطمة التي تلقاها الصهاينة يوم السابع من أكتوبر الماضي جعلتهم يدركون حقيقة هذه المقاومة التي ينبغي أن لا يُستهان بها، وجرّبت إسرائيل لعبة القتال ضدها فوجدتها تُتقن فنون القتال على الأرض بل وعلى المستويات كلها، بدءا من الإعلام مرورًا بالأداء في الميدان وإدارة المعارك وانتهاء بالإشراف على ملف الأسرى.
مقاومة مسلحة بأخلاقيات الحرب والسِّلم
ولا شك أن إسرائيل بدأت تقتنع بأنه ينبغي عليها أن تدرس فن المعارك على أيدي هؤلاء المقاومين الذين أثبتوا من خلال ما رأينا وقرأنا وسمعنا أنهم ينتمون إلى تنظيم متناسق ومتجانس ومتقن وعالم بخفايا المعارك والأسلحة التي بين أيديهم، ومثقفٍ بأخلاقيات الحرب والسِّلم، وعالمٍ بمعاملة العدو في الميدان وأسرى الحرب في الأنفاق، فكانت حركة المقاومة منظومة قتالية فكرية أخلاقية رائعة أحبّها الجميع بمن فيهم الصهاينة أنفسهم تنظيمٌ مختلف كليًّا عن تنظيم القاعدة أو داعش الذي روّجت له إسرائيل. كثيرًا وحاولت مرارًا وتكرارًا صبْغَهُ بصبغة الإرهاب حتى اقتنع ساسة الغرب بمن فيهم الرئيس الأمريكي جو بايدن وجميع حاشيته بهذه الخدعة وانطوت عليه الحيلة فسارع إلى إعلان صهيونيته ويهوديته هو ووزير خارجيته فخرا وزهوّا على اعتبار أن المعركة مع حماس هي المعركة نفسها مع القاعدة وداعش، لكن حركة المقاومة في فلسطين أربكت العدو الصهيوني من جميع الاتجاهات وحازت على إعجاب العالم أجمع وكانت سببًا في نهوض قضية فلسطين بعد أن كاد يغطيها الركام وتُطوى في طيّ النسيان، وأصبح العالم كله ينادي فلسطين حرة أبية، فلسطين حرة أبية.
هكذا صوّر العالم المآسي التي يعانيها سكان غزة أيام الحرب وبعدها، من تدميرٍ ممنهجٍ للبنى التحتية بزعم أن حماس تعمل تحت المستشفيات وفي المساجد والمدارس وتتخذها مراكز إدارة الحرب وثكنات عسكرية ومن قتلٍ للأطفال والنساء والشيوخ عمدًا وقصدًا ودون تردّد وتفجيرٍ لمنازل على رؤوس أصحابها دون سابق إنذار، وتهميشٍ للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة منذ سبعين سنة مضت. واليوم وبعد أن بانت حقيقة هذا الجيش الهمجي والبربري والفاشي والنازي في تعامله مع الإنسان الفلسطيني المقاوم والمسالم والأسير والكبير والصغير والذكر والأنثى من التنكيل والتعذيب والتنغيص والابتزاز ما لا يوصف دون أدنى احترام لإنسانية الإنسان ولا التزام بالمواثيق والقوانين الدولية والإنسانية وإلّا بم نفسر اقتحام المستشفى وإجبار المرضى والجرحى على الخروج والانتقال إلى مكان لآخر واعتقال الأطباء واستهدافهم بالرصاص الحي واستهداف سيارات الإسعاف.
تأثر واضح من جانب الأسرى بأفراد المقاومة
وهكذا اقتنع العالم حينما خرج المقاومون بلباسهم الرسمي أيام الهدنة وعلى مرأى من الجنود الصهاينة وأمام جمهورهم في غزّة وهم يسلّمون الأسرى اليهود للصليب الأحمر في عملية أشبه باستعراض القوّة والقيادة
والسيطرة على الأرض، وفي مظاهر من الأخلاق والثقافة والتعامل الراقي بحنانٍ ولُطْفٍ مع نساء وأطفال ورجال كانوا في أيد أمينة ترعاهم وتبحث شؤونهم وتداويهم وتأويهم برفقٍ ولِينٍ طوال فترة إقامتهم عند الكتائب مما يفسّر حالة الاتزان والرقي أثناء عملية تسليم الأسرى اليهود إلى الصليب الأحمر واستلام إسرائيل أسراها من الصليب الأحمر من تأثر واضح من جانب هؤلاء الأسرى بأفراد المقاومة وهم يلوّحون بأيديهم ويبتسمون لهم في مشاهد مؤثرة للغاية كتبت عنها جميع صحف العالم إضافة إلى بعض الكتابات التي أرسلتها أسيرات يهوديّات محرّرات تؤكد على حسن المعاملة وتشكر المقاومة. وعلى هذا الأساس تحرّك العالم مرة أخرى وطالب بهدنة طويلة على المستوى الرسمي فبعث الرئيس الأمريكي وليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية إلى المنطقة للتباحث في شأن إطالة مدة الهدنة مع المسؤولين في دولة قطر وجمهورية مصر العربية الذين يمثلون الوسطاء في هذه العملية، وتستنكف أمريكا أن تطالب إسرائيل بوقف الحرب نهائيا حفاظا على تبقى من ماء وجهها الذي تلطخ بالدم الفلسطيني وتشبّع بمشاهد العنف والتدمير والتنكيل، وهكذا تظهر سماحة الإسلام مقابل إرهاب الصهاينة، وهكذا يظهر الوجه الحقيقي لإسرائيل أمام العالم بعد أن بدأت خيارات إسرائيل في غزة تَضيقُ ولم تعد كما تشتهي دولة الاحتلال لأن العالم هو الذي بدأ يضيّق عليها الخناق.
شارك رأيك